قبل ما يقارب الأشهر الثلاثة كان سكان مدينة جدة على موعد مع تغيير جذري لمدينتهم، من خلال البدء في إزالة الأحياء العشوائية والتي تمثل ما يزيد على 60 حياً، بحسب أمين المدينة صالح التركي.
وعلى الرغم من أن قرارات الإزالة قديمة في المدينة وتعود لسنوات مضت، عندما أعلن للمرة الأولى إزالة أحياء عشوائية منها ما يتوسط المدينة، ومنها ما يقع في شرقها وأخرى في جنوبها وشمالها، إلا أن القرار لم يأخذ حيز التنفيذ إلا أخيراً بعد أن أعلنت أمانة جدة مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي انتهاءها من إعداد مشروع المخطط التنظيمي للمناطق العشوائية التي تغطي 32 حياً، تمتد مساحتها على أكثر من 214 مليون متر مربع، منها فقط 24 مليون متر مربع مملوكة بصكوك شرعية، والبدء فعلياً في إزالة تلك الأحياء التي شملت في المرحلة الأولى ثلاثة أحياء تتوسط المدينة.
وكانت الأمانة بدأت منذ عامين في درس المخطط التنظيمي من خلال ثمانية مشاريع لإعداد مخططات التصورات الإرشادية لتلك المناطق بعدم تطويرها ومعالجة ضعف البنى التحتية التي جعلت المدينة غير قادرة على تحسين مقوماتها العامة، ومنع تحول موسم الأمطار إلى كارثة سنوية.
كيف نشأت؟
من جانبه، يرى المتخصص في التطوير العمراني للمدن مشاري النعيم أن نشأة العشوائيات تكون نتيجة خلل في سياسات التخطيط العمراني، وقال “في الغالب تنشأ عندما لا تستطيع المدينة تلبية حاجة ساكنيها، ولكن في بعض الأحيان تظهر العشوائيات نتيجة وجود فئات من المجتمع مخالفة لشروط الإقامة، وهذه الفئة غالباً ليس لديها أوراق رسمية، فتقوم ببناء أحياء على أراض فضاء على أطراف المدن من دون وجود صكوك أو تراخيص من البلدية، وبالتالي تفتقر هذه العشوائيات إلى الخدمات”.
واستطرد، “بالطبع ظهور مثل هذه الأحياء تحت نظر وسمع المسؤولين في البلدية يعتبر إشكالاً، فإما إنه لا يوجد تشريعات توقف مثل هذه الممارسة أو وجود إهمال وتواطؤ، وفي كلا الحالتين تعتبر الظاهرة سلبية جداً وتؤدي إلى ظهور بؤر إجرامية أحياناً داخل المدينة، وتسمح بتجمع الخارجين عن النظام والقانون في مكان واحد”.
خطة لتطوير العشوائيات في كل المدن
وشملت خطط الحكومة السعودية لتطوير المناطق العشوائية داخل المدن وضع آلية تم اعتمادها من قبل وزير الإسكان والشؤون البلدية ماجد الحقيل أواخر العام 2020.
وبحسب الوزارة فإن خطة معالجة وضع الأحياء العشوائية وتطويرها تشمل جميع أمانات المناطق والمحافظات، إذ تم إنشاء وحدة إدارية بمسمى “إدارة تطوير المناطق المركزية”، متصلة بوكالة الوزارة لتخطيط المدن، وتقوم بإعداد مهمات الأمانات لتحقيق الأهداف المحددة لهذا.
وقال البيان، “تتولى هذه الإدارات تطوير المناطق العشوائية ووضع الضوابط والمعايير والأدلة الإرشادية والسياسة العامة لمعالجة الأحياء العشوائية، والمشاركة الفعالة والمتابعة في الإعداد والتنفيذ لمعالجة وضع الأحياء العشوائية، والشراكة المجتمعية لضمان نجاح المشروع الذي يهدف إلى التجديد الحضري عبر تطوير هذه المناطق”.
من جانبه، أكد أمين مدينة جدة صالح التركي أن التوجه الأساس للمدينة الساحلية هو تحسين البنية التحتية في المناطق والأحياء العشوائية أو تلك التي تفتقر إلى الخدمات، وأضاف في منتدى مكة المكرمة الاقتصادي في 2019 “إن توجهي في الأمانة الآن تقديم الخدمة المميزة بأكبر سرعة ممكنة لتطوير الأحياء التي لا توجد فيها خدمات لنصل إلى مستهدفات رؤية 2030، حيث قامت أمانة جدة بوضع مؤشرات ومستهدفات لتطوير ركائز تحسين جودة الحياة”.
ولفت إلى أن جدة تحوي 60 حياً عشوائياً، منها ما يحتاج إلى إزالة بالكامل ومنها ما يحتاج إلى التطوير، منوهاً بأن تجربة تطوير حي الرويس وقصر خزام فشلت في الماضي، واستدرك، “ستتم إعادة النظر في آليات التطوير وفق برنامج”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن وزارة الشؤون البلدية وضعت آليات تمكن الأمانات من القيام بدورها في عملية التطوير.
الإزالة السريعة
وفي السياق ذاته، تزامن البدء في تنفيذ مشاريع التطوير للأحياء العشوائية مع ارتفاع وتثير الجدل حول القرار، فبين معارض وآخر مؤيد، رأت شريحة أن الإزالة تمثل حلاً للخلاص من أزمة العشوائيات التي تسببت في صعوبة تطوير البنى التحتية، لتغدو المدينة الكبيرة ضحية مواسم الأمطار سنوياً، في حين رأى آخرون أن الإزالة كانت أسرع من اللازم.
وحول ضرورة الإزالة يعلق مشاري النعيم “عند تخطيط المدن يجب مراعاة الإنسان وثقافة المجتمع ونمط حياته، لكن هناك مجموعة من المعايير وضعت لتحقيق المدينة الإنسانية، بأن تكون صحية وتسمح بالمشي وتوفر فرص العمل، وأن تساعد في التواصل الاجتماعي وغيرها من معايير”.
وزاد، “بشكل عام التخطيط العمراني موضوع عميق ومعقد، ونقل السكان من أحيائهم الأصلية إلى أماكن جديد لها أخطار كبيرة يجب أن توضع في الحسبان قبل عمل أي إزالة أو نقل للسكان، منها تفكيك التركيبة الثقافية للحي السكني التي تطورت عبر عشرات السنين ويصعب إعادة بنائها”، مضيفاً، “أرى أن أي تخطيط عمراني يجب أن يحافظ على البنية الثقافية للأحياء السكنية، ويجب أن يتحاشى تفكيكها إلا في الضرورة القصوى”.
20 في المئة لذوي الدخل المحدود
وفي الوقت الذي يرى فيه النعيم أهمية المحافظة على التركيبة السكانية والثقافية للأحياء، يشير أستاذ التنمية الحضرية في جامعة الملك عبدالعزيز صادق المالكي إلى أن التخطيط الأحياء لابد من أن يتم وفقاً لتوازن المجتمع الإنساني.
وقال، “لنجاح وجود التوازن المجتمعي في كل حي من الأحياء داخل المدن، لابد أن توجد ثلاثة عناصر رئيسة، وهي السكن والعمل والتعليم، وهذا يتطلب الأخذ في عين الاعتبار أن يكون 20 في المئة من سكان الحي من ذوي الدخل المحدود للوصول إلى التوازن الاجتماعي داخل كل حي”.
ولفت إلى أن “حي الرويس الذي يتوسط المدينة كان حياً متوازناً اجتماعياً عند نشأته بخلاف أحياء أخرى في جدة، إذ يكون جميع فئات المجتمع، أغنياء ومحدودي الدخل، مما أسهم في نشوء بيئة جيدة ومتوازنة في ذلك الحين في بداية نشأته”.
وعلى الرغم من وجود هذا التوازن في الرويس سابقاً، ألا أنه أصبح ضمن الأحياء العشوائية لاحقاً، ويعود السبب إلى أن عدداً من السكان الأغنياء هجروه إلى أحياء شمال جدة الحديثة، فيما بات هدفاً للبناء غير المنظم، لتعطل التخطيط والتنمية فيه، ويكون اليوم ضمن الأهداف التطوير الحكومية.
مشروع تطوير وسط جدة
وفي سياق متصل، أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ديسمبر (كانون الأول) الماضي المخطط العام والملامح الرئيسة لمشروع وسط جدة، بإجمالي استثمارات تصل إلى 75 مليار ريال (20 مليار دولار) خصصت لتطوير 5.7 مليون متر مربع، بتمويل من صندوق الاستثمارات العامة والمستثمرين من الداخل والخارج.
ويهدف المشروع إلى صناعة وجهة عالمية في قلب جدة بإطلالة مباشرة على البحر الأحمر، تسهم في تعزيز المكانة الاقتصادية للمدينة، إضافة إلى أنه يحقق قيمة مضافة لاقتصاد البلاد يقدر بـ 47 مليار ريال (12.53 مليار دولار) بحلول العام 2030.
وبحسب المعلن، فإن المشروع يتضمن أربعة معالم تتمثل في بناء دار أوبرا ومتحف وإستاد رياضي والأحواض المحيطية والمزارع المرجانية، كما يشكل المخطط الرئيس للمشروع بناء وتطوير مناطق سكنية تضم 17 ألف وحدة سكنية مع مشاريع فندقية متنوعة توفر أكثر من 2700 غرفة، إضافة إلى 10 مشاريع ترفيهية وسياحية.