كشف تقرير لوكالة “بلومبيرغ” الأمريكية نقلًا عن علماء ومسؤولين بالصحة العامة، أنه “كان بالإمكان تجنب تفشّي جدري القردة في قارة إفريقيا، إذا تم الأخذ في الاعتبار التحذيرات السابقة، وتوفير المزيد من اللقاحات”، قبل أن يبلغ القلق بقية العالم ويدفع منظمة الصحة العالمية لإعلان حالة الطوارئ.
ومنذ بداية عام 2024، قتل الفيروس حوالي 575 شخصًا في جمهورية الكونغو، وأصاب أكثر من 20 ألفًا، وفقًا لأحدث البيانات من مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في إفريقيا.
ويسبب المرض أعراضًا أشبه بالإنفلونزا، إلى جانب بثور مليئة بالقيح في الجسد، وعادةً ما تكون أعراضه معتدلة، إلا أنها قد تؤدي إلى الوفاة، ويزيد خطر المضاعفات على الأطفال والحوامل وذوي المناعة الضعيفة.
“تقاعس وخطوات خاطئة”
وحسب “بلومبيرغ”، فقد أدّت “الخطوات الخاطئة” و”التقاعس” من جانب الحكومات والهيئات الصحية وممولي البحث العلمي، إلى خلق “البيئة المثالية لتحور الفيروس إلى سلالة تنتشر بسهولة أكبر بين البشر”.
وعلى الرغم من توفر لقاح فعال يكلّف حوالي 100 دولار، ووجود دول مثل الولايات المتحدة قامت بتخزين ملايين الجرعات، فإن جمهورية الكونغو التي تفشى فيها الفيروس، لم تتلقّ أي لقاح بعد، وفق الوكالة.
ويُلقي منتقدون باللوم على منظمة الصحة العالمية، التي أخّرت منح ترخيص اللقاحات، مما منع وصول العلاج إلى البلدان المحتاجة بأسرع ما يمكن.
والآن، بدلًا من تفشي المرض في مناطق محددة، يحذر العلماء ومنظمات الإغاثة والسلطات الحكومية، من أن الفيروس “قد ينتشر على نطاق أوسع خارج إفريقيا”، حسب ما تذكر “بلومبيرغ”.
أهملوا إفريقيا ووزعوا اللقاحات في الدول الغربية
وقال زعماء أفارقة، من بينهم رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا: إن القارة “تعرضت للتجاهل” خلال حالة الطوارئ السابقة، التي “ركزت على نشر اللقاحات في الدول الغربية” لوقف انتشار المرض.
وذكر رامافوزا في بيان يوم 17 أغسطس الجاري، أن إعلان منظمة الصحة العالمية هذه المرة “يجب أن يكون مختلفًا، ويصحح المعاملة غير العادلة من الإعلان السابق، من تطوير اللقاحات والعلاجات وإتاحتها في المقام الأول للدول الغربية، مع القليل من الدعم المقدم لإفريقيا”.
وقالت منظمة الصحة العالمية إنه خلال العامين الماضيين منذ تفشي المرض الأخير، “لم يتم استثمار سنت واحد من أموال المانحين على المستوى العالمي للسيطرة على فيروس جدري القردة”.
احتواء الفيروس
وحتى وقت قريب، كانت هناك فرصة للتحرك لاحتواء الفيروس، وفق الطبيب المتخصص في الأمراض المُعدية لورنس ليسينبورغس، الذي يعمل في الكونغو، واكتشف هو وزملاؤه تحور الفيروس في يناير الماضي.
وأضاف “ليزنبورغس”: “لقد فاجأني ما رأيناه حقًا، لقد كان تفشيًا مختلفًا تمامًا”.
واعتبر أنه “لو تم تطبيق التطعيمات والاختبارات والمراقبة على نطاق واسع، لكان من الممكن تجنب حالة الطوارئ الصحية الأخيرة”، التي أعلنتها منظمة الصحة العالمية في 14 أغسطس الجاري.
بدورها، قالت عالمة الأوبئة آن ريموين، التي تعمل في الكونغو منذ 22 عامًا لفهم كيفية انتشار الفيروس: “لم يكن لدينا أموال لمعالجة آليات انتقال العدوى أو أي قضايا أخرى، لمدة عقدين من الزمن”.
مشكلة نقص الموارد على مستوى العالم
وعندما سُئلت عمن هو المسؤول، ذكرت “ريموين” التي تشغل منصب رئيس قسم الأمراض المعدية والصحة العامة في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس: “لا أعتقد أن الأمر يتعلق بتوجيه أصابع الاتهام، بل يتعلق بنقص الموارد على مستوى العالم لمكافحة الأمراض الناشئة”.
والجمعة، أجازت منظمة الصحة العالمية للشركاء شراء لقاحات جدري القردة قبل الحصول على موافقتها، حسب ما ذكرت وكالة “رويترز”.
ونقلت الوكالة عن منظمة الصحة العالمية قولها، إن شركاءها مثل تحالف اللقاحات (غافي) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) يمكنهم البدء في شراء لقاحات جدري القردة قبل منحهم الموافقة على ذلك، في محاولة لتوصيل التطعيمات إلى إفريقيا بشكل أسرع، بسبب زيادة تفشي الفيروس في القارة.
ووافقت الجهات التنظيمية في دول العالم، ومن بينها الولايات المتحدة واليابان، بالفعل على لقاحين من إنتاج شركة “بافاريان نورديك” الدنماركية، و”كيه.إم بيولوجيكس” اليابانية، ويجري استخدامهما على نطاق واسع منذ عام 2022، وفق “رويترز”.
ولم تحث منظمة الصحة العالمية على فرض قيود على السفر للحد من تفشي جدري القردة.
فيما أكد المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا هانز كلوغه، الأسبوع الماضي، أن العالم يعرف الكثير عن مرض جدري القردة، وبالتالي لا يمكن اعتباره وباء “كوفيد الجديد”.