متخذة من مهارات المستقبل والابتكار والبحث العلمي مرتكزًا، ومن التخصصات الحديثة هدفًا؛ وضعت المملكة أسسًا حديثة للتعليم، لبناء مواطن منافس عالميًّا.
فعبر البرامج والمشاريع التعليمية التي توائم التوجهات المستقبلية، وفي سياق تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 وأهداف برنامج تنمية القدرات البشرية، بات التعليم في السعودية ينافس دولًا كانت بالأمس تغرد منفردة في هذا الملف الذي يعدّ لبنة أساسية في بناء الدول الحديثة؛ كونه يساهم في تخريج أجيال قادرة على تحمل مسؤولياتها في نهضة البلاد، وتنمية مجتمعيها المحلي والعالمي.
أهداف كانت نابعة من رؤية 2030 التي أكدت على أهمية التعليم المبكر في بناء مجتمع حيوي ومزدهر، وبناء أساس قوي وواسع لمفهوم جودة التعليم؛ ليشمل التنمية الشاملة للطفل وتمكينه بالكفاءات للتعلُّم مدى الحياة.
فكيف وصلت المملكة إلى هذا المستوى من التحول في التعليم؟
وضعت المملكة أهدافًا سبعة على عاتقها لتحسين جودة العملية التعليمية، سواء من حيث بيئة التعلم والمؤسسات التي يتلقى فيها الطلبة العلم، مرورًا بمخرجات العملية التعليمة؛ تحقيقًا لمبدأ التنافسية العالمية في التعليم والتطوير.
أهداف تمثّلت في: تعزيز مشاركة الأسرة في التحضير لمستقبل أبنائهم، وبناء رحلة تعليمية متكاملة، وتحسين تكافؤ فرص الحصول على التعليم، وتحسين مخرجات التعليم الأساسية، وتحسين ترتيب المؤسسات التعليمية، وتوفير معارف نوعية للمتميزين في المجالات ذات الأولوية، وضمان المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل.
فهل نجحت المملكة في تحقيق تلك الأهداف؟
بانتظام العملية التعليمية قبل أيام في جميع مناطق ومحافظات المملكة، لبدء الفصل الدراسي الأول في العام الدراسي الجديد 1446هـ؛ تكون المملكة حققت أهدافًا عدة من حيث عدد مؤسسات التعليم العام التي ارتفعت إلى 31 ألف مدرسة “تحسين البيئة التعليمية”، إلى عدد الطلاب الذين وصلوا إلى 6.7 ملايين طالب “تحسين تكافؤ فرص الحصول على التعليم”.
ليس هذا فحسب، بل إن العملية التعليمية التي سارت وفق مؤشرات إيجابية ومتابعة مستمرة، فعلت خلالها وزارة “التعليم”، برامج التهيئة النفسية، والبرامج التوعوية الخاصة بالقيم لدى الطلبة، وبرامج التطوع والكشافة، بما يسهم في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي والتربوي في البيئة المدرسية للطلبة في صفوفهم الدراسية التي استجدوا بها.
المعلمون والمعلمات كان لهم نصيب من ذلك الترحيب “مخاطبة الجانب النفسي”، ففعّلت الوزارة، كذلك، برنامج “حياك” للترحيب بالمعلمين والمعلمات الذين تم التعاقد معهم للتدريس هذا العام في إدارات التعليم؛ لسد الاحتياج في جميع التخصصات، وتهيئتهم للعمل بكفاءة وفاعلية في مدارس التعليم العام بالمناطق والمحافظات.
وتعاقدت “التعليم” مسبقًا مع أكثر من 12 ألف معلم ومعلمة للتوظيف التعاقدي لسد الاحتياج في كافة التخصصات، إلى جانب ما يزيد على 500 ألف معلم ومعلمة يعودون إلى مدارسهم بالمناطق والمحافظات، بما يصب في هدف حصول الطلبة على تعليم جيد ومتميز.
ولم تكن “التعليم” تغرد منفردة، بل إنها عزّزت شراكتها مع عدد من الجهات في القطاعين الحكومي والخاص؛ للعمل ضمن منظومة شراكة تكاملية؛ لدعم انتظام ونجاح العملية التعليمية في بداية العام الدراسي، كما عززت شراكتها مع الأسر وأولياء الأمور في انتظام أبنائهم وبناتهم الطلبة في مدارسهم، وتحفيزهم على مواصلة رحلتهم التعليمية.
برامج مختلفة وفي محاولة من وزارة التعليم لتوفير الفرص التعليمية والتدريبية لكافة فئات العملية التعليمية؛ دشنت برامج مختلفة، بدءًا من برامج الطفولة المبكرة، والتعليم العام بمراحله، وبرامج التربية الخاصة، والتعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني، والصحة والسلامة المدرسية، وبرامج التعليم الجامعي والعالي، والتعليم المهني والتدريب التقني، وفرص التعليم للأجانب، إضافة إلى منح دراسية في الخارج للطلاب السعوديين، وكذلك منح داخلية للطلاب السعوديين وغير السعوديين؛ فماذا نعرف عن تلك البرامج؟
* مرحلة الطفولة المبكرة
برنامج مخصص للأطفال دون السادسة من العمر، ويتمّ تقديمه عبر الروضات الحكومية والأهلية، وينقسم إلى “الحضانات – التمهيدي”. وتقدم وزارة التعليم منحة مجانية لأطفال رياض الأطفال في المناطق والمحافظات الصغيرة، للدراسة في مدرسة “أهلية” للفئة المستهدفة وفق اشتراطات ومعايير محددة. كما تقدم منحة مجانية للدراسة في مدرسة تربية خاصة أو برنامج تربية خاصة “أهلي” للفئة المستهدفة “مراحل تعليمية – ابتدائي ومتوسط وثانوي – ومرحلة رياض أطفال” وفق اشتراطات ومعايير معينة.
* منصة مدرستي
وفّرت وزارة التعليم منصة إلكترونية “منصة مدرستي” لإدارة ومراقبة عملية التعليم بما يتوافق مع متطلبات العصر الحالي والمستقبل. وصُممت المنصة لتحتوي على أدوات تعليمية رقمية تدعم عملية التعليم والتدريس للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة وتساهم في تحقيق الأهداف التربوية للمناهج والمقررات.
* دعم ورعاية
ولم تغضّ المملكة الطرف عن أولئك الذين ضحوا بأرواحهم فداء للوطن، فأطلقت مبادرة “المنح الدراسية” لأبناء وبنات شهداء الواجب في عددٍ من المدارس الأهلية والعالمية في مناطق المملكة المختلفة. المبادرة التي تستوعب ما يقارب 2000 طالب وطالبة في مدارس التعليم الأهلي والعالمي، أشاد بها الأمين العام لصندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين طلال بن عثمان المعمر؛ كونها توفر بيئة تعليمية متميزة ومحفّزة لأبناء وبنات الشهداء.
* اختبارات وطنية
بهدف تحسين وتطوير العملية التعليمية، وإجراءاتها ومخرجاتها، وضعت وزارة التعليم عددًا من المؤشرات التقويمية المستمرة، عبر الاختبارات الوطنية والدولية ومنظومة “مؤشر الترتيب” الذي يحدد مستوى المدارس والمكاتب وإدارات التعليم في الاختبارات المعيارية المنفذة على طلاب وطالبات التعليم العام للقبول في الجامعات والكليات الحكومية والأهلية.
فما أهدافها؟
تُعد من أبرز المؤشرات التقويمية المستمرة عالميًّا؛ حيث تشرف عليها منظمات لها خبرة طويلة وكفاءة عالية في مجال التعليم وتقويمه، كمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “OECD”، والمنظمة الدولية لتقويم التحصيل التربوي “IEA”، وتُعدُّ هذه الاختبارات مؤشرًا هامًّا لمستوى تحصيل الطلاب في المواد الدراسية الأساسية والمهارات التعليمية. وتسهم، كذلك، في إمكانية مقارنة تحصيل الطلبة الدراسي في أنظمة تربوية متباينة في خلفياتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية؛ مما يساعد في الوصول إلى أهم وأفضل الوسائل المؤدية إلى تعليم أفضل. وتقارن تلك الاختبارات مستويات الطلبة والنظام التعليمي في المملكة بأداء مستويات الطلبة والنظام التعليمي في الدول الأخرى المشاركة في الدراسة؛ مما يساهم في دعم صناع القرار والنظم التعليمية في تشخيص مجالات القوة والضعف لتحسين البيئة التعليمية.
* التعليم الأهلي والأجنبي “المدارس الخاصة”
وحرصًا منها على توفير تعليم جيد للجاليات المقيمة على أراضيها، تسعى المملكة لتوفير التعليم المناسب لأبناء تلك الجاليات، ضمن ضوابط محددة، وبما يحقق مواصلة تعليمهم عند عودتهم إلى بلدانهم.
وفيما تتولى الوزارة الترخيص والإشراف على المدارس الأجنبية وفروعها من خلال الجهة المختصة فيها، تتولى كل مدرسة أجنبية مسؤولية تنظيم مختلف جوانب العمل داخل المدرسة، بالإضافة إلى ما يتعلق بتحديد مستواها في الأوساط التعليمية، والأكاديمية المختلفة بما يضمن استمرار رحلة التعليم للمقيمين في المملكة.
* منبر نور للدول العربية
ولم تنغلق المملكة على نفسها، بل إن تجاربها في تحسين البيئة التعليمية حاولت نقلها إلى الدول المجاورة؛ فوزير التعليم رئيس مجلس إدارة مركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميّز في التعليم يوسف بن عبدالله البنيان؛ رعى قبل أشهر افتتاح أعمال ورشة العمل الإقليمية لمشروع تعليم القراءة والكتابة بمرحلة الطفولة المبكرة في الدول العربية.
وتهدف الورشة إلى التعرّف على واقع تعليم وتعلُّم مهارتي القراءة والكتابة باللغة العربية في مرحلة الطفولة المبكرة لرياض الأطفال والعوامل المؤثرة على تعلمهم وتعليمهم في الدول العربية وتقديم الحلول والإجراءات من المنظور الدولي لصانعي القرار في مختلف الدول العربية، إضافة إلى الإسهام في دعم جهود الدول العربية للتقدم المحرز في تحقيق مؤشرات الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، ودعم جهود الدول العربية لتحسين تنافسية الطلبة العرب في الدراسات الدولية “PIRLS” وغيرها.
كيف انعكست تلك الإجراءات على مؤشرات المملكة؟
وفقًا لتصنيف “كيو إس” للجامعات العالمية الأكثر شهرة وتأثيرًا لعام 2025: تصدرت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن قائمة الجامعات العربية في قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم، فيما جاءت جامعة الملك عبدالعزيز في المرتبة الثالثة عربيًّا والـ149 عالميًّا، أما جامعة الملك سعود فجاءت في المرتبة 200 عالميًّا، والخامسة عربيًّا.
تصنيف جاء بعد عامين من تصنيف شانغهاي العالمي لعام 2023، والذي كشف عن دخول 12 جامعة سعودية ضمن قائمة أفضل 1000 جامعة دولية، من بين أكثر من 2500 جامعة خاضعة لذلك التصنيف. وتصدرت جامعة الملك سعود المرتبة الأولى على مستوى المملكة، وعالميًّا ضمن فئة 101-150، فيما جاءت في المرتبة الثانية جامعة الملك عبدالعزيز ضمن فئة 151-200 عالميًّا، وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ضمن فئة 201-300 عالميًّا والثالثة سعوديًّا.
وعلى مستوى التعليم العام حقق طلاب وطالبات المملكة، في مايو الماضي، المشاركون في أكبر مسابقتين عالميتين للعلوم والهندسة والاختراع والابتكار “آيسف 2024” و”آيتكس 2024″؛ 114 ميدالية وجائزة كبرى وخاصة، للعام الـ18 على التوالي.