رغم شنّها ما بات يُسمّى بـ”حرب المستشفيات” بشكل غير مسبوق في شمال قطاع غزة؛ فإن إسرائيل لم تحقّق أيًّا من أهدافها المعلنة من هذه الحرب، بينما يبقى السؤال ما إن كان هناك ما كسبته من ورائها؛ بحسب خبراء.
وبحسابات المكسب والخسارة: يوضّح خبيران عسكريان لموقع “سكاي نيوز عربية” ما الذي حققته تل أبيب من “حرب المستشفيات”، في ظلّ تأكيدها أنّ هذه المنشآت تُستخدم من الفصائل الفلسطينية في تخزين الأسلحة والاختباء وإدارة الهجمات ضد إسرائيل.
ورغم تحذيرات منظمات دولية من الوضع الكارثي للمستشفيات في القطاع، فإن القصف الإسرائيلي ما زال يستهدفها، خاصة مجمع الشفاء.
ومع دخول الحرب أسبوعَها السادس، تواصِل القواتُ الإسرائيلية استهدافَ مستشفى الشفاء، ومستشفى القدس، بعدما سبق لها حصار مستشفيات: الإندونيسي، والرنتيسي، والنصر، والعيون، والصحة النفسية، في مناطق شمال ووسط القطاع.
والسبت، ذكرت مصادر طبية فلسطينية أن الجيش الإسرائيلي طلب منح الأطباء والمرضى والنازحين مدة ساعة لإخلاء مستشفى الشفاء.
أخطاء استراتيجية وثمن أخلاقي
الخبير العسكري اللواء ماجد القيسي، مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز صُنع السياسات الدولية، يرى أن إسرائيل “لم تحقّق أي مكسب أو إنجاز عسكري في الميدان باستهداف المستشفيات، وما فعلته فقط هو تدمير للبنية التحتية في شمال القطاع واستهداف أهم شريان للحياة؛ لإجبار السكان على الرحيل”.
ويستدلّ “القيسي” على ما يعتبره “فشلًا” إسرائيليًّا في تعاملها مع هدف المستشفيات، بالآتي: “استهداف إسرائيل للمستشفيات، خاصة مجمع الشفاء الطبي، جاء تحت ذريعة وجود أنفاق، وأن المجمع هو مركز قيادة عسكرية لحماس، وهذه الذرائع من المفترض أنها جاءت عن طريق معلومات استخباراتية، خاصة أن إسرائيل لديها تكنولوجيا تنصّت وطائرات مسيّرة للاستطلاع وجمع معلومات؛ مثل “mq4” و”mq9″، والتي تقوم بمهام المراقبة أيضًا.
وأضاف: لم تحقّق إسرائيل أيًّا من الأهداف التي أعلنت عنها، فلم تعثر على أنفاق ولا مركز ولا قيادة، ولم تعثر أيضًا على أسرى، كما لم تقدّم ما يثبت هذه الادّعاءات؛ ما يعني أن هناك فشلًا استخباراتيًّا.
وتابع: من المعروف أن العمليات العسكرية تعتمد على جمع المعلومات وتحليلها وتقييمها، وبناء عليه يتم عمل تقدير موقف استخباراتي، ثم تقدير موقف عملياتي، وإذا كانت المعلومات ناقصة أو غير دقيقة يكون هناك خلل في عملية التنفيذ؛ إذًا هناك خطأ استراتيجي أرادت إسرائيل معالجته تكتيكيًّا، وهو خطأ آخر؛ لأن الأخطاء الاستراتيجية لا تتم معالجتها تكتيكيًّا.
وأردف: المستشفيات في غزة لم تعد منشآت طبية لعلاج المرضى فحسب، لكنها أيضًا ملاذات ومراكز إيواء، وجميع القوانين الدولية والإنسانية وقوانين الحرب تمنع استهداف المنشآت الطبية؛ لذلك خسرت إسرائيل أخلاقيًّا.
السيطرة على نقاط حاكمة
في تقدير الخبير العسكري العقيد مالك الكردي، فإن الحديث عن وجود أنفاق تحت المستشفى دون الاحتكام لوفد من الأمم المتحدة يمكنه التحقّق من صحة الادّعاء، يبدو أنه كان قرار متّخذ للسيطرة على نقطة حاكمة تؤمّن تقدّمًا أفضل للقوات الإسرائيلية المهاجمة نحو أماكن أخرى في غزة.
ويعقّب “الكردي” على الحجج الإسرائيلية بشأن استخدام المستشفيات من جانب الفصائل الفلسطينية، قائلًا: من غير المعقول مطلقًا أن يتمّ تخزين الأسلحة قرب الأجهزة الطبية، كالرنين المغناطيسي، أو أن ينشط مقاتلون داخل مستشفى بين المرضى، ومن غير المعقول أن تُترك هذه الكميات من الأسلحة “التي تقول إسرائيل إنها عثرت عليها في المستشفى” في نقطة قتالية إذا اعتبرنا المستشفى كان كذلك؛ فالمقاتل ينسحب بسلاحه، ومثل هذه الأسلحة التي تم عرضها تكون في مستودعات التشكيل كأسلحة احتياطية.
وتابع: مِن غير المعقول أيضًا أن تكون المخابرات الإسرائيلية قد ضللتها معلومات استخباراتية بشأن مستشفى الشفاء؛ لأنه مكان عام يتردّد عليه الناس، ومتاح فيه حتى التقاط الصور الثابتة والمتحرّكة “فيديو”، ولا بدّ أنه وصلت لهذه المخابرات عشرات الصور عن هذا الصرح، بدءًا من أعلى نقطة حتى أدناها.
وبيّن أن التصوير الجوي وأجهزة الاستشعار عن بعد عبر الأقمار الصناعية، تتيحان لهم التركيز وتحديد مداخل الأنفاق، إذا كانت موجودة، في مساحة محدودة بدائرة محيطية حول المستشفى، لكن الواضح أن الإسرائيليين الذين وصلوا إلى المستشفى كانوا متيقنين من عدم وجود أي أنفاق أو مقاتلين أو أسلحة، وأنه تم إعداد مسبق لوجود الأسلحة بهدف التصوير، وهي مسرحية مكشوفة تفضحها طريقة العرض التي كانت متوقّعة من المراقبين قبل وصول القوى لمهاجمة المستشفى.
واختتم يقول: القوات الإسرائيلية خسرت أخلاقيًّا خسارة تضاف إلى خسارتها الأخلاقية منذ قصفت المستشفى المعمداني، وهي غير آبهة بهذا، مقابل أن تستعيد قوتها ووجودها الذي بات مهدّدًا بعد عملية طوفان الأقصى.