فيما تحاول المملكة العربية السعودية تنويع اقتصادها، كان موقعها الجغرافي الفريد، وطبيعتها البحرية الزاخرة بالعديد من المنحدرات والضفاف والمرجانيات المتعددة الألوان وسلاسلها الصخرية الحدودية، بمثابة بوابتها السحرية نحو مناطحة الكبار في مجال السياحة.
إلا أن المملكة التي تتمتع بحدود بحرية مشهورة بجمالها الذي فاق “الساحل المرجاني العظيم” بأستراليا، لم تطمح فقط إلى “اللعب مع الكبار”، في مجال السياحة، بل سطرت بأناملها نموذجًا فريدًا من السياحة، أسمته “السياحة التجديدية”.
ذلك النوع من السياحة لا يعني مجرد الاستدامة للوجهات السياحية، بل إنه يجعل الوجهة أفضل مما كانت على طبيعتها، مما يسهم في خطط البلد الخليجي، لتنويع اقتصاده، عبر تعزيز قطاعات جديدة مثل السياحة الخضراء.
فماذا نعرف عن السياحة التجديدية؟
وقال الرئيس التنفيذي لشركة البحر الأحمر للتطوير جون باجانو، في تصريحات لـ”أرابيان بيزنس”، عن فلسفة السياحة المتجددة: إن السياحة كانت قوة معطلة لعدة أجيال؛ حيث أثرت سلبًا على رفاهية السكان المحليين وحالة الحفاظ على البيئة الطبيعية.
وأضاف: أن شركة البحر الأحمر للتطوير، تأمل أن نقود الطريق إلى معيار عالمي جديد للسياحة المتجددة، وهذا ينبع من إيماننا بأن كل شخص يتحمل مسؤولية حماية أحد أهم الأصول في العالم الممثلة في البيئة الطبيعية.
وأشار إلى أن السياحة المتجددة هي الالتزام بتنفيذ السياسات التي لا تقلل من الإضرار بالبيئة فحسب، بل تعززها بنشاط من خلال المساهمة في الحفاظ عليها وتجديدها لسنوات مقبلة.
وأكد المسؤول في شركة البحر الأحمر للتطوير، أن الشركة التي يرأسها قطعت خطوات كبيرة في تحقيق هذا الهدف مع الوجهة، “وأكملنا مؤخرًا المرحلة الأولى من وضع LEED للمدن البلاتينية”.
وفي سبيل تحقيق المثل الأفضل للسياحة المتجددة، يلتزم مشروع البحر الأحمر باستخدام الطاقة المتجددة بنسبة 100%، بحسب المسؤول في الشركة الذي قال: إنه غالبًا ما يتطلب التزامنا بتجاوز الاستدامة ووضع معايير جديدة في السياحة المتجددة طريقة عمل أكثر تعقيدًا لضمان الحفاظ على البيئة الطبيعية وتعزيزها.
وتابع: نترك 75% من أرخبيل جزيرتنا دون مساس، كجزء من هدفنا المتمثل في تحقيق صافي فائدة الحفاظ على البيئة بنسبة 30%، على مدى العقدين المقبلين. هذه طموحات جريئة وليست إنجازًا متوسطًا لمشروع بهذا الحجم.
وأضاف المسؤول في شركة البحر الأحمر: نحن مستعدون لأن نكون أكبر وجهة سياحية في العالم مدعومة بالطاقة المتجددة فقط، على مدار 24 ساعة في اليوم، مشيرًا إلى أن هذا الإنجاز مدعوم بإنشاء أكبر نظام تخزين للبطاريات في العالم.
وتابع جون باجانو: التكنولوجيا موجودة، لكن ما ينقصنا عادة هو الرغبة في التغيير من نموذج العمل المعتاد إلى نموذج يستثمر بنشاط في رأس مالنا الطبيعي.
وواصل قائلاً: نحن نعمل على تطوير إطار تنظيمي معقد يشمل سياسات واستراتيجيات مبتكرة لتسهيل التزاماتنا الطموحة بالاستدامة والتجديد، وهذا يشمل تنظيم مصايد الأسماك، وإزالة الأنواع الغازية في المنطقة، ومناطق الحفظ وتوسيع الموائل الخضراء والزرقاء لتشجيع التجديد وعزل الكربون.
الوجهة الأكثر جاذبية
من جانبه قال مدير إدارة التسويق والمبيعات لقطاع السياحة في “نيوم” بيتر فيتزهاردينج: إن “نيوم” تهدف لأن نصبح الوجهة الأكثر جاذبية واستدامة في العالم، مؤكدًا أن الهدف في الماضي القريب كان “ألا نترك أي أثر سلبي”، لكننا الآن نريد ما هو أبعد من ذلك وأسمى، وهو “أن نترك المكان أفضل مما وجدناه”.
ولفت إلى أن السائح سيتمكن من اختيار كل ما يتعلق برحلته عبر تطبيق يقدم له تجربة مرنة وعملية، واقتراح مسارات من شأنها زيادة مساهمته الإيجابية، بدءًا من وسيلة النقل التي سيختارها، والطعام الذي سيتناوله، والأنشطة التي سيمارسها وحتى ما يقرر شراءه.
وأشار إلى أن زيارة السياح ليست مجرد إقامة في فندق، مع أن فنادق “نيوم” ستكون الأفضل في العالم، لكن مفهوم السياحة يتجسد في مجموع التجارب التي تدور حول ذلك، من وسائل التنقل والانتقالات والطعام والتجارب والفعاليات والمتاجر.
وأضاف: لن نكتفي في هذا المكان بتحقيق إيرادات من السياحة فحسب، بل سنساعد كذلك في دعم قطاعات التنقل والطيران والرياضة، والإعلام، والموضة، والثقافة.
السياحة التجديدية.. الأكثر إلهامًا
في السياق نفسه، يقول رئيس مجموعة العلامات التجارية العالمية لشركة البحر الأحمر للتنمية تريسي لانزا: إن “ما نعنيه بالتجديد ليس مجرد الاستدامة. نريد أن نجعل الوجهة أفضل مما وجدناها”، مشيرًا إلى أن “شركة البحر الأحمر للتطوير المسؤولة عن مبادرة السياحة التجديدية الأكثر إلهامًا والأكثر التزامًا في العالم”.
وأضاف، في تصريحات لـ”يورو نيوز”: “ما نعنيه بالتجديد ليس فقط الاستدامة. نحن لا نريد فقط إيقاف أي خسارة. ما نريد فعله هو البناء لجعل الوجهة أفضل مما وجدناه”.
وأشار إلى أن “لشعاب المرجانية هي رابع أكبر الشعاب المرجانية في العالم. إنها صحية للغاية ونحن ملتزمون بحماية صحة الشعاب المرجانية، لكن هذا لا يعني فقط الحفاظ على صحة الشعاب المرجانية. نحن ملتزمون بتعزيز التنوع البيولوجي بنسبة 100%”.
وبحسب “لانزا”، فإن مشروع البحر الأحمر هو وجهة سياحية متجددة يتم بناؤها على طول الساحل الشمالي الغربي للمملكة العربية السعودية، إلى جانب منتجع “أمالا”.
ويدور مشروع “أمالا” حول الثقافة والفنون والرفاهية والرياضة، وسيضم أكاديمية للأداء الرياضي، ومرافق تشمل: الفروسية، والبولو، وسباق الهجن، والصقارة، والجولف، والتنس.
فيما يدور مشروع البحر الأحمر حول الاستدامة وما يسمونه “الرفاهية حافي القدمين”، مما يعني أن تكون على اتصال بالأرض والشواطئ والصحراء والغوص، وسيقدم عددًا من التجارب المختلفة، من ملاذ الجزيرة إلى عطلات المنتجعات، والخلوات الجبلية والمغامرات الصحراوية.
أهداف طموحة
فيما قال مدير إدارة التسويق والمبيعات لقطاع السياحة في “نيوم” بيتر فيتزهاردينج: إن المستهدف بنهاية عام 2025م، حضور ما بين 800,000 إلى مليون شخص إلى هنا لقضاء عطلة أو فعالية عمل أو حدث رياضي، مشيرًا إلى أنه يتعين أن نضمن حماية البيئة في كل هدف نحققه.
وأضاف، أن الهدف الذي تسعى إليه “نيوم” بحلول عام 2030م، هو رؤية أكثر من خمسة ملايين زائر، مشيرًا إلى أنه لتحقيق ذلك، نحتاج إلى استكمال مطارنا. كما سيكون لدينا ميناء بحري، وإستاد رياضي، وقاعات للمؤتمرات والاجتماعات.
وأشار إلى أنه للوصول لهذه الأهداف، يجب أن نجعل “نيوم” الوجهة المفضلة الأولى لدى السعوديين؛ ففي الوقت الحالي، يسافر عدد كبير من السعوديين خارج المملكة لقضاء عطلاتهم، وينفقون 24 مليار دولار أمريكي سنويًا في دول أخرى”.
وتابع: في نطاق دول مجلس التعاون الخليجي، المستهدف لدينا أن نصبح من ضمن أفضل ثلاث وجهات لدى سكان مجلس التعاون الخليجي. كما نسعى أن نصبح من أفضل خمس وجهات سياحية على مستوى العالم.
ولفت إلى أن كون 40% من سكان العالم على بُعد ست ساعات جوًا من “نيوم”، سيتيح الوصول إلى أسواق مهمة، مؤكدًا أنه مع زيادة الحجم، سيزيد حرصنا على حماية بيئتنا والحفاظ عليها. ولذلك كان تعهدنا بالإبقاء على 95% من أرض “نيوم” دون تطوير، إلى جانب ترميم البيئة فيها وتجديدها، جانبًا مهمًا وركيزة أساسية للسياحة في “نيوم”، لخلق توازن بين الحجم وتجديد البيئة.
لكن ما مدى مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي؟
وضع برنامج رؤية المملكة 2030، إطارًا لتنويع الاقتصاد من خلال ثلاثة محاور رئيسية: مجتمع نابض بالحياة واقتصاد مزدهر وأمة طموحة، فيما السياحة مفتاح هذه الرؤية؛ حيث تضع الرؤية هدفًا طموحًا لاستقبال 100 مليون زائر دولي وتقديم تجربة غامرة غارقة في الجمال الطبيعي وثقافة الوجهة.
ووفقًا للتوقعات الحالية، ستكون مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية على قدم المساواة مع المتوسط العالمي البالغ 10% بحلول عام 2030، مقارنة بما يزيد قليلاً عن 3% تساهم بها الآن.
ويعد مشروع البحر الأحمر أحد المشروعات السياحية العملاقة قيد التطوير حاليًا في المملكة، وسيلعب دورًا رئيسيًا في هذا النمو؛ حيث سيساهم بمبلغ 100 مليار ريال خلال مراحل البناء و22 مليار ريال سنويًا بمجرد التشغيل الكامل. بالإضافة إلى ذلك، سيوظف 70 ألفًا من اليد العاملة في أدوار مباشرة وغير مباشرة.
وبحسب دراسة أعدتها صحيفة “الاقتصادية”، فإن دور القطاع السياحي في النمو الاقتصادي، نما بنسبة 74% تقريبًا مع بلوغ حجم الإنفاق السياحي في السعودية خلال النصف الأول من العام الجاري نحو 71.2 مليار ريال (19 مليار دولار)، مقارنة بنحو 41 مليار ريال للفترة المماثلة من العام السابق.
وذكر التقرير، أن نمو الإنفاق السياحي في السعودية خلال النصف الأول يأتي بسبب زيادة الإنفاق المحلي، عبر توافر عديد من البرامج السياحية؛ أبرزها “مواسم السعودية”، التي بدأت أنشطتها قبل ثلاثة أعوام.
وفيما بلغ الإنفاق المحلي خلال الأشهر الستة نحو 44.5 مليار ريال بنسبة نمو 21.3% على أساس سنوي، بلغ الإنفاق السياحي الوافد “القادمون من الخارج” نحو 38% أو ما يعادل 26.7 مليار ريال.
وبهذه الأرقام، فإن قطاع السياحة والسفر في المملكة، يمكن أن يكون أحد أهم روافد النمو الاقتصادي في المرحلة المقبلة، وأن يسهم بشكل واسع وكبير في تحقيق استدامة للموارد المالية للدولة، خصوصًا مع استمرار الجهود المبذولة في تطوير القطاع وسعي المملكة إلى تنويع مصادر الدخل المحلي.