تصوير – عبدالله النحيط : في الطريق إلى معرض تصاميم مدينة “ذا لاين”، المقام في موقع مؤسسة بينالي الدرعية في الرياض، تزايد توارد الأسئلة إلى رأسي عن: كيف ستبدو مدينة “ذا لاين” من الداخل؟ وما مكونات عِمارتها؟ وكيف ستكون خالية من الشوارع والسيارات تمامًا؟ وما بدائل ذلك؟ وكيف ستكون بنيتها التحتية؟ وكيف ستتسع لتسعة ملايين نسمة على مساحة لا تتجاوز 34 كيلومترًا مربعًا فقط، في حين أن سكان العاصمة العراقية بغداد بلغوا نفس العدد عام 2022، لكنهم يعيشون على مساحة 4.555 كيلومترًا مربعًا؟ وكيف سيصل سكان “ذا لاين” إلى منازلهم وأماكن العمل والمدارس والحدائق والمتاجر وأي مرافق أخرى خلال 5 دقائق مشيًا؟ وكيف سيتسنى لهم التحرك وفق مفهوم “انعدام الجاذبية” في ثلاثة اتجاهات أفقيًا وإلى أعلى وإلى أسفل؟ وكيف سيُتيح تصميم “ذا لاين” للسكان الوصول السريع والمباشر إلى الطبيعة خلال دقيقتين مشيًا؟ وما مظاهر الطبيعة التي سيستمتعون بها؟
استقر تصوري المبدئي، أثناء انضمامي إلى فريق صحيفة “سبق” المكلف بتغطية المعرض، أن تصاميم “ذا لاين” قد لا تجيب عن تلك الأسئلة، التي كانت لا تزال تتدافع إلى رأسي، لكنني ما إن طالعت التصاميم الأولى، حتى شعرت بانزياح كل التصورات السابقة، التي بنيتها عن الهيكل المعماري الداخلي لـ”ذا لاين”، والتي كانت وليدة للمعلومات المتاحة عن المدينة، فالتصاميم بدت مغايرة تمامًا لنماذج العمارة المعهودة في تشييد الأبنية والمدن، وتُجسد طريقة جديدة في تشكيل الكتلة والفراغ بالنسبة لشكل ووظيفة المباني المعمارية، فالمباني ضخمة متعددة الطبقات، بعضها متدرج في بروزه إلى الخارج، وبعضها يتدلى من علٍ أو معلق في الفراغ، وقواعد المباني متداخلة مع محيطها الصخري أو السهلي أو المائي، كأنها نابِتَة منه.
التصميم العمودي
بدا من التصاميم أنها قائمة على انتهاج أسلوب التصميم العمودي أو البناء إلى الأعلى، ويقوم الأسلوب على صياغة الكتلة الإنشائية في ثلاثة أبعاد داخل حيز “ذا لاين”، مستغلًا الفراغ الماثل في الارتفاع لـ500 متر إلى أعلى، على امتداد 170 كيلومترًا، وعرض 200 متر؛ وبذلك يتيح أسلوب التصميم العمودي ثلاثي الأبعاد، توزيع السكان على الأبعاد الثلاثة، كما يتيح لهم الحركة وفق مفهوم “انعدام الجاذبية”، الذي يسمح لهم بحرية كبيرة في التنقل خلال الاتجاهات الثلاثة، أفقيًا وإلى أعلى وإلى أسفل، في كل جزء أو مجتمع من مجتمعات “ذا لاين” بواسطة مصاعد كهربائية، وعبر المدينة كلها أيضًا من خلال قطار فائق السرعة، سيقطع المسافة بين أقصى نقطتين طرفيتين فيها في 20 دقيقة فقط.
ويتيح التصميم المعماري لـ”ذا لاين” كذلك، اختزال مساحة الأرض، التي ستقام عليها إنشاءات المدينة إلى 34 كيلومترًا فقط، ومقارنة حجم مساحة “ذا لاين” بالمساحة الحالية لبغداد المقدرة بـ4،555 كيلومتر مربع، تكشف عن توفير التصميم العمودي لـ”ذا لاين” مساحة تقدر بـ 4،521 كيلومتر مربع، تكفي لإنشاء نحو 133 مدينة مثل “ذا لاين”، واستيعاب نحو مليار و197 مليون نسمة، ما يعني أن مساحة بغداد الحالية كافية لاستيعاب نحو مليار و206 ملايين نسمة، وليس تسعة ملايين نسمة فقط؛ لو صممت المساحة بالتصميم المعماري لـ”ذا لاين”، الذي يُعيد بالفعل تعريف مفهوم الحياة الحضرية من حيث المحافظة على رقعة الأرض، وحماية مواردها، والحد من تمدد البنية التحتية.
ناطحة سحاب هائلة
وأظهر تصميم ثلاثي الأبعاد لمقطع إنشائي من “ذا لاين”، بعض الإمكانات العمرانية والإنشائية، التي يتيحها نموذج التصميم العمودي للمدينة، فارتفاع المباني على جانبي “ذا لاين” إلى 500 متر، والارتفاع الموحد لها على امتداد 170 كيلومترًا، يجعل من “ذا لاين” ناطحة سحاب هائلة، وغير مسبوقة في حجمها، وذلك عند النظر إليها كوحدة إنشائية مترابطة ومتصلة، لاسيما أنها تعادل في ارتفاعها تقريبًا ارتفاع مركز تايبيه المالي في تايوان، الذي يحتل المركز التاسع في قائمة أعلى ناطحات سحاب في العالم بارتفاع 509 أمتار، كما أن التصميم يجعل “ذا لاين”، من منظور الامتداد الطولي، سلسلتين متوازيتين من ناطحات السحاب.
وتتجلى الإمكانية الوظيفية للتصميم العمودي لـ”ذا لاين”، بإنشاء كل مبانيها على نموذج ناطحات السحاب، في إتاحة عشرات الآلاف من الوحدات العمرانية، ما بين شقق سكنية، وأماكن عمل، ومتاجر، ومنشآت صحية ورياضية وترفيهية؛ وبذلك تستوعب “ذا لاين” تسعة ملايين نسمة، لكن اللافت أنها ستستوعبهم بشكل متساوٍ ومتوازن تمامًا على امتداد طولها، فتصميم “ذا لاين” يقسم كتلتها المعمارية إلى وحدات معمارية، كل وحدة تسمى مجتمعًا، وقد أظهر تصميمًا وقفنا أمامه مواصفات المجتمع الإنشائية، حيث يبلغ طوله 800 متر، وعرضه 200 متر، وارتفاعه 500 متر، ويستوعب 80.000 نسمة، ويضم أماكن للسكن، والعمل، والتعليم، والصحة، والتسوق، والثقافة، والترفيه، والتصاميم المعمارية للمجتمعات، ليست موحدة بل متنوعة، وقد أظهرت تصاميم أخرى للمجتمعات ذلك بجلاء، وهذه التصاميم المختلفة للمجتمعات، ابتكرها 12 مهندسًا معماريًا من أفضل المكاتب الهندسية في العالم، ويضم المعرض لوحة تجمع صورهم.
مدينة نباتات
وتُظهر تصاميم “ذا لاين” أنها ستكون مدينة كثيفة النباتات، ومحاطة بالنباتات من الخارج أيضًا، فيُبين مجسم أحد المجتمعات، النباتات متناثرة بكثافة عبر طبقات المباني، ومتداخلة مع أجزائها، وفوق أسطحها، وأن هناك تخصيصًا لمساحات مفتوحة للنباتات في طبقات المباني على ارتفاعات متعددة، فالنباتات مكون أساسي في تصميم أي مساحة في كل مبنى، ولن تغيب عن أبصار سكان “ذا لاين” أنى توجهوا أو وجدوا داخلها، أما من خارج المدينة، حيث سيُغطي جانبيها الخارجيين أسطح زجاجية تتكون من مرايا عاكسة تتيح لها من الداخل الاندماج مع الطبيعة، فسيمتد غطاء نباتي على الجانبين يتكون من 224 نوعًا من النباتات، من بينها 19 نباتًا نادرًا.
وسيستمع سكان “ذا لاين” في إطلالتهم على الخارج بمشاهدة هذه النباتات، التي تنمو من تلقاء نفسها في منطقة نيوم، وتلك التي ستُستزرع على جانبي مدينتهم، كما سيستمتعون بمشاهدة آفاق مفتوحة، تحتضن مظاهر طبيعية متنوعة على امتداد “ذا لاين” من جبال نيوم شرقًا حتى البحر الأحمر غربًا، عبر ثلاث مناطق تحتوي تضاريس جغرافية مختلفة وثرية، تضم منطقة أودية مرتفعة، ومنطقة جبلية، ومنطقة صحراء ساحلية.