يمكن تقسيم قوافل الحج الأولى إلى أربعة دروب رئيسية: الدرب العراقي، والدرب الشامي، والدرب المصرى، والدرب اليمني، والتي كانت تضم قوافل الحجاج القادمين من الشرق والغرب والشمال والجنوب.
وحظي درب الحج الشامي بأهمية كبيرة في الماضي، خاصة أنه يعتبر أحد أقدم دروب الحج؛ لأنه قائم بالأساس على مسار القوافل التجارية التي كانت تتنقّل من مختلف أنحاء جزيرة العرب إلى بلاد الشام وبالعكس، والتي بلغت أوجها في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام.
ومع انتشار الإسلام وتعاظم رفعته كانت بلاد الشام من أولى المناطق التي اعتنقت الإسلام من خارج جزيرة العرب، وبالتالي كانت رافدًا مهمًّا لحجاج بيت الله الحرام الذين اعتمدوا على دروب القوافل التجارية للسفر إلى مكة وأداء فريضة الحج. واختلفت الدروب باختلاف المدن والعواصم التي تنطلق منها هذه القوافل.
وحظيت منطقة بلاد الشام بأهمية خاصة في الإسلام، فعدا عن تأصل العلاقات التي كانت تجمع بين الطرفين في السابق بفضل التجارة، شكلت بلاد الشام والعراق عواصم للدول الإسلامية اللاحقة، كالدولتين الأموية والعباسية وغيرهما، وهو ما عزز من مكانة بلاد الشام ورفع أعداد الحجاج القادمين منها.
واهتم الخلفاء والسلاطين بالحجاج أينما اهتمام، وبرز ذلك بتخصيص مسؤول للحج عرف باسم “أمير الحج”، الذي يعنى بجميع أمور الحجاج، من رعاية وحماية وتنظيم القوافل، وتحديد محطات القوافل وطريق سيرها.
كما أمر الخلفاء بتمهيد الطرق وبناء الاستراحات وحفر الآبار ووضع العلامات على طول المسار لتسهيل الرحلة على الحجاج؛ فعلى سبيل المثال ذكر المؤرخون أن الخليفة الوليد بن عبدالملك أمر بوضع منارات على الطرق، وحفر البرك والآبار بين دمشق ومكة، ومثله فعل هشام بن عبدالملك.
ومع تعاقب الزمن وتنامي أعداد الحجاج، ازدهرت المدن على طول طريق الحجاج، وزادت أعداد المحطات، وتواصلت جهود الأمراء والخلفاء لتسهيل رحلة الحج بشتى الطرق والوسائل، وهو ما أسهم في تطور دروب الحج، بحسب تطور الاحتياجات والإمكانات.
وفي كتاباته عن تجربته في رحلة الحج: قدر ابن رشيد قافلة الحج الشامية التي سار معها سنة 674 هـ/ 1286م بستين ألف راحلة دون الخيل والبغال والحمير، وهو الرقم ذاته الذي قدره الرحالة الفرنسي “قسطنطين فرانسوا فولني” في مذكراته عن قافلة حج انطلقت من دمشق إلى مكة في القرن الثامن عشر، وهو ما يشير إلى ضخامة قوافل الحج والجهد الكبير الذي بذل لتسهيل رحلة الحجاج وتوفير جميع احتياجاتهم، وبخاصة في تلك الفترة الزمنية، مع الأخذ بعين الاعتبار بُعْد المسافة وضرورة توفير الاحتياجات الأساسية كالمأكل والمشرب، وتوفير الحماية للحجاج من المخاطر المختلفة، وأبرزها غارات البدو وقطاع الطرق.
ومع ظهور القطارات قام سلاطين الدولة العثمانية بمدّ سكة حديد تصل بين دمشق والمدينة المنورة، وعرفت باسم “سكة حديد الحجاز” التي وبالرغم من قصر فترة عملها، إلا أنها شكلت إسهامًا كبيرًا للحجاج آنذاك، وكانت إيذانًا بحقبة جديدة تطورت فيها وسائل النقل المختلفة من سيارات وحافلات وسفن وطائرات، والتي أسهمت مجتمعة بالتخفيف من مشقّة رحلة الحج التي كان يخوضها أسلافنا، واختصرت الفترة الزمنية من أسابيع وأشهر إلى ساعات قليلة في يومنا الحاضر.
واليوم تم استخدام بعض مسارات درب الحج الشامي في الطرق الواصلة بين المدن، وبعضها الآخر أهمل لعدم جدوى استخدامه، وبخاصة أن دروب الحجاج في السابق كانت تضم أعدادًا ضخمة من الحجاج، فيما يتنقّل الحجاج اليوم بحافلات خاصة، التي بدورها حدثت من محطات الحج، وحسنت فيها.