تحافظ الرياض على موقف صلبٍ من حليفتها المفترضة واشنطن، بعد سلسلة من المواقف التي اتخذتها إدارة بايدن ضدها منذ يومها الأول، وهو التي تعهدت بجعل السعودية “دولة منبوذة”، وهو ما بدأ ينعكس على سطح الدبلوماسية الدولية جراء هذا الصراع البارد بين الدولتين الثقيلتين على المستوى الدولي.
إذ لم يكن ضمن حسابات البيت الأبيض عندما قرر أخذ موقف متماش مع مواقف اليسار والجماعات الحقوقية من الرياض، في حرب اليمن ضد ميليشيات الحوثي مثلاً، أن حرباً أخرى ستشعل نارها في أوروبا يكون التنسيق “الأميركي – السعودي” ضرورياً للتأثير في الغريم الروسي، وهو ما يتطلب مستوى عالٍ من التنسيق بين البلدين غير متوافر في حالة الفتور السائدة اليوم بينهما.
النفط يستعيد قوته
ففي الوقت الذي ظن فيه المراقبون أن النفط كسلاح حرب قد أفل وانتهى عصره، أطلت الحرب الأوكرانية ضد أحد أكبر منتجي الطاقة التقليدية في العالم، ليبرز النفط وأسعاره ضمن الأدوات ذات التأثير العالي في ما لو تم توظيفه بشكل جيد في الحرب الدائرة للتأثير في نفقات وتمويل الحرب.
إلا أن الإدارة الأميركية الحالية لم تستثمر في علاقتها مع المنتجين التقليديين سواء في الداخل الأميركي وشركات الطاقة التي تمت مواجهتها بسياسات المناخ الصارمة من دون مراعاة الوقت الذي تحتاجه للتكيف مع الوضع الجديد، أو المنتجين الدوليين، السعودية على سبيل المثال التي ترى بأن واشنطن أخلت بالاتفاق التاريخي القائم على “النفط مقابل الأمن” الذي وفرته الإدارات الأميركية منذ عهد روزفلت وحتى فترة قريبة، حين أخذت مواقف متشددة تجاهها بخصوص حرب اليمن في الوقت الذي تتعرض فيها مواقع مدنية سعودية للقصف الحوثي المستمر بالمسيرات والصواريخ.
وحول هذا كتبت كارين إليوت هاوس، وهي صحافية ومؤلفة متخصصة في الشأن السعودي، مقالاً لـ “وول ستريت جورنال”، أكدت فيه بأن القائدين في البلدين، الرئيس بايدن والأمير محمد بن سلمان، ليسا بحاجة لأن يحبا بعضهما البعض حتى يدركا بأنهما بحاجة لبعضهما البعض.
وأضافت “تخيل للحظة بأن شيئاً ما يكبح بشدة إمدادات النفط السعودي من الأسواق. ستكون الآثار المباشرة هي الأسعار المرتفعة بشكل كبير والمزيد من الانهيار لآمال للديمقراطيين في الانتخابات”، ومن الناحية السعودية قد يعني هذا “تقديم حوافز قوية للعالم لرفع الحظر عن مبيعات إيران النفطية لموازنة الأسعار”.
هذا السيناريو ليس خيالياً، ففي سبتمبر (أيلول) 2019 توقف 50 في المئة من إنتاج النفط السعودي بسبب هجوم صاروخي قامت به إيران، بحسب اتهامات دولية، فيما شنت في الفترة ذاتها حرباً على ناقلات نفط في كل من مضيق هرمز وباب المندب، وهما المساران الرئيسيان لناقلات النفط السعودية التي تزود العالم بالطاقة.
وفي حين أن الولايات المتحدة لا تعتمد على النفط السعودي بفضل زيادات الإنتاج المحلي في عهد الرئيس ترمب، فإن الأوروبيين لا يزالون بحاجة لها وإلا فستستمر دولهم في شراء النفط الروسي وتمويل آلة الحرب الخاصة بفلاديمير بوتين، وهو ما يحتم الوصول إلى تفاهم جاد بين الحليفين المفترضين إذا ما رأت واشنطن في كبح جماح موسكو أولوية دولية، بحسب هاوس.
إدراك متأخر لضرورة العلاقة
إلا أن شيئاً من هذا بات يلوح أخيراً، وهو ما أسمته الكاتبة في مقالتها لـ”وول ستريت” بأنه “رقصة خلف الأبواب المغلقة”.
فبحسب مصادر الصحيفة، فإن رئيس وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز، زار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الرياض في أبريل (نيسان)، بالإضافة إلى زيارة أخرى لم تسر بشكل جيد من مسؤول الأمن القومي وأخرى ملغية لوزير الدفاع.
وشهدت الأسابيع الماضية تعيين سفير لواشنطن في الرياض بعد 15 شهراً من الفراغ، إلا أن قوى مناهضة للسعودية في أميركا تعمل على إحباط أي تحسن للعلاقة، إذ وصفت هاوس الديمقراطيين الذين يحاربون لتعطيل ذلك عبر الكونغرس من خلال وثيقة “الـ30 عضواً” التي تم تقديمها لإعادة تقييم العلاقة مع الدولة الخليجية بأنها “نفاق حقوق الإنسان”، وتضيف “هؤلاء التقدميون الذين يدعون أنهم محاربون من أجل الطاقة الخضراء، لا يلتفتون إلى أن معارضتهم للنفط تجبر العالم على الاعتماد أكثر على الفحم، وهو وقود أحفوري أقذر، وقد ارتفع استخدامه في الولايات المتحدة وأوروبا بأرقام مضاعفة العام الماضي”.
وتختم كارين إليوت مقالتها قائلةً “ما تحتاج إدارة بايدن وأنصارها التقدميين إدراكه هو أنه من المرجح أن يحكم محمد بن سلمان المملكة العربية السعودية لعقود عدة، وهو يتمتع بشعبية استثنائية بين السعوديين الشبان الذين يشكلون 70 في المئة من مواطني المملكة”، بالمقابل استعادة الصفقة الأمنية بالنسبة للسعودية مهم أيضاً ولا يجب مقاومته فهي بحاجة للاستقرار لتحقيق مستهدفاتها التنموية.