أفادت دراسة حديثة بأن نوعاً من الفطر المقاوم للأدوية يجد طريقه من البيئة إلى الناس، مسبباً لهم أمراضاً في الرئتين أو ضعفاً في الجهاز المناعي.
وجد الباحثون أن ست حالات لأشخاص مصابين بشكل مقاوم للأدوية من فطريات تسمى “الرشاشية الدخناء” Aspergillus fumigatus، علماً أنها عبارة عن عفن منتشر في البيئة يمكنه أن يسبب مرضاً رئوياً فطرياً، يمكن أن تعزى إلى أبواغ فطرية موجودة في البيئة.
تستخدم الاستنتاجات المستخلصة عينات من الفطر مأخوذة من إنجلترا وويلز واسكتلندا وإيرلندا. في حين أن الأشخاص الذين يتمتعون برئتين سليمتين يسعهم في العادة التخلص مما استنشقوه من أبواغ جرثومية ينتجها العفن، يعجز المصابون بأمراض رئوية أو لديهم جهاز مناعي ضعيف عن ذلك أحياناً.
ذلك مفاده أن الأبواغ الفطرية ربما تستقر في الرئتين مسببة عدوى تسمى “داء الرشاشيات” aspergillosis.
يصيب “داء الرشاشيات” ما بين 10 إلى 20 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم، وبينما يصار إلى علاج العدوى عادةً باستخدام عقار مضاد للفطريات، فقد أبلغ عن ظهور مقاومة لهذه الأدوية، وفق باحثي “إمبريال كوليدج لندن” Imperial College London.
يشير الباحثون إلى أن هذه المقاومة للأدوية لدى الفطريات قد تطورت جراء الاستخدام الواسع لمبيدات الفطريات القائمة على مركبات “الآزول” في الإنتاج الزراعي.
الأدوية المعروفة باسم عقاقير “الآزول” التي تعمل بطريقة مماثلة لمبيدات الفطريات تلك – تعتبر خط العلاج الأول للمرضى المصابين بعفن “الرشاشية الدخناء”.
بناء عليه، لما كان الفطر يتعرض في البيئة لمركبات “آزول” المبيدة للفطريات، فإنه غالباً ما يتمتع بمقاومة للأدوية حتى قبل أن يصير في مواجهة الأشخاص الذين يصيبهم.
يطالب الباحثون بإحاطة “الرشاشية الدخناء” بمراقبة ورصد أكبر في البيئة والعيادة على حد سواء للمساعدة في فهم المخاطر التي تطرحها.
كبير الباحثين، البروفيسور ماثيو فيشر، من كلية الصحة العامة في “إمبريال كوليدج لندن”، قال إن “معرفة البؤر البيئية والأساس الجيني لتطور مقاومة الأدوية لدى الفطريات يتطلب اهتماماً عاجلاً، لأن مقاومة الأدوية تقوض قدرتنا على الوقاية من هذا المرض وعلاجه”.
وأضاف البروفيسور فيشر أن “انتشار داء الرشاشيات المقاوم للأدوية قد شهد ارتفاعاً من مستويات ضئيلة تكاد لا تذكر قبل 1999 إلى ما يصل الآن حتى ثلاثة إلى 40 في المئة من الحالات الموجودة في أنحاء أوروبا.
“في الوقت نفسه، ربما يكون الكثير من الناس عرضة للإصابة بعدوى “الرشاشية الدخناء” نتيجة أن أعداداً متزايدة من الأشخاص الذين يلجؤون إلى زرع الخلايا الجذعية أو الأعضاء الجسدية الصلبة، يخضعون لعلاجات مثبطة للمناعة، أو يعانون أمراضاً رئوية أو التهابات فيروسية حادة في الجهاز التنفسي”، على ما ذكر البروفيسور فيشر.
في الدراسة، عزل الباحثون 218 عينة من “الرشاشية الدخناء” مأخوذة من مختلف أنحاء إنجلترا وويلز واسكتلندا وإيرلندا بين 2005 و2017.
سبع عينات تقريباً من كل 10 عينات كانت من أشخاص مصابين (153 عينة من 143 مريضاً توزعوا على خمسة مستشفيات)، فيما أخذت بقية العينات من البيئة (65 عينة)، بما في ذلك التربة، والسماد، وبصيلات النباتات، والهواء، ومصادر أخرى.
عند تحليل تلك العينات، وجد الباحثون أن ست سلالات من فطر “الرشاشية الدخناء” كانت موجودة في البيئة وأصابت ستة مرضى.
ويقول الباحثون إن أوجه التشابه الجينية بينت أن الفطر انتقل من البيئة إلى المريض.
الباحثة الرئيسة في الدراسة، الدكتورة جوانا رودس، من “مركز أم آر سي MRC للتحليل العالمي للأمراض المعدية” في “كلية الصحة العامة” في “إمبريال كوليدج: ذكرت أن “حالات داء الرشاشيات التي رصدت في العيادة تقاوم بصورة مطردة أدوية “آزول” التي تعتبر الخيار الأول في العلاج.
“ولكننا لم نكن متأكدين من السبل التي أفضت إلى إصابة المرضى بتلك الأشكال من العدوى، فهل تتطور في الرئتين خلال فترة العلاج من الإصابة، أم أن أبواغ العفن التي تصيبهم لديها مقاومة للأدوية في المقام الأول”، تساءلت الدكتورة رودس.
“تكشف دراستنا أن سببي العدوى كلاهما واردان، وتؤكد المخاوف من أن أبواغ العفن التي اكتسبت مقاومة مسبقة للأدوية في البيئة قادرة على الولوج إلى رئات الأشخاص وإصابتها بالعدوى مؤدية إلى مرض من العسير علاجه”، وفق الدكتورة رودس.
توضح الدراسة أنه من بين 218 عينة، تمتعت 106 عينات بمقاومة لواحد على أقل تقدير من أدوية “آزول” المستخدمة في العيادة التي تعتبر الخيار العلاجي الأول.
ووجدت الدراسة أن أكثر من 10 في المئة من العينات (26 عينة، من بينها 23 عينة من البيئة وثلاث عينات من المرضى) كانت مقاومة لعقارين أو أكثر من أدوية “الآزول”.
تولى تمويل الدراسة كل من “مجلس أبحاث البيئة الطبيعية” Natural Environment Research Council في بريطانيا، والمؤسسة الخيرية البريطانية “ويلكوم ترست” Wellcome Trust، والشركة الأميركية “غيلياد ساينسز”Gilead Sciences ، و”مجلس البحوث الطبية” في المملكة المتحدة، ونشرت في مجلة “نيتشر ميكروبيولوجي” Nature Microbiology.