أجازت الجهة التنظيمية الطبية في المملكة المتحدة اللقاح الذي طورته شركة “فالنيفا” Valneva الفرنسية للتكنولوجيا الحيوية، ليكون بذلك الجرعة التحصينية السادسة التي تحصل على إذن بالاستخدام في البلاد.
ويشكل اللقاح إنجازاً كبيراً آخر في المعركة ضد فيروس “كورونا”، وذلك بعد مرور أقل من سنتين على بدء العلماء في تطوير اللقاحات المضادة لـ”كوفيد- 19”.
كذلك تعتبر هيئة تنظيم الأدوية في المملكة المتحدة الجهة التنظيمية الطبية الأولى في العالم التي تجيز لقاح “فالنيفا”، الذي تقرر إنتاجه في مصنع بمدينة “ليفينغستون”، قرب إدنبره، من ضمن أماكن أخرى.
ولكن، ماذا عن المعلومات المتوفرة لدينا بشأن هذا اللقاح الأخير؟
تقنية تطويره
خلافاً للقاحات “فايزر” و”موديرنا” و“أسترازينيكا”، يستخدم لقاح “فالنيفا” نسخة معطلة جُردت من قدرتها على التسبب بالمرض إنما محفوظة من الفيروس نفسه بغية تحفيز استجابة مناعية ضد “كورونا” في أجسام الملقحين.
و”اللقاحات المعطلة” Inactivated vaccines، كما تسمى، تقنية راسخة استخدمت طوال السبعين عاماً الماضية لتحصين المليارات من الناس ضد أمراض عدة، من بينها الأنفلونزا الموسمية، وشلل الأطفال، وداء الكلب.
ومعلوم أن اللقاحات القائمة على تقنية “الحمض النووي الريبوزي المرسال” messenger RNA (اختصاراً، “أم آر أن أي” mRNA في إشارة إلى نوع الحمض النووي الوراثي الذي تستند إليه)، واللقاحات التي تعتمد على ناقل فيروسي غدي”adenovirus vector ، يتمثل دورها في تدريب الجهاز المناعي على استهداف بصفة خاصة “البروتين الشوكي” الذي يغلف فيروس “كورونا”، غير أن لقاح “فالنيفا” يحفز، كما يبدو، استجابة مناعية أوسع نطاقاً وأكثر تنوعاً ضد بروتينات أخرى يحتوي عليها “سارس- كوف- 2”.
و”تكشف البيانات أن مستوى استجابات الأجسام المضادة ذات القدرة على تحييد الفيروس أعلى، في المتوسط، مقارنة مع اللقاح المعتمد “أسترازينيكا”، وفق ما قال آدم فين، بروفيسور في طب الأطفال في “جامعة بريستول” وكبير الباحثين في برنامج التطوير الإكلينيكي للقاح “فالنيفا” في المملكة المتحدة.
كذلك يحتوي اللقاح على مادة مساعدة جديدة تسمى “سي بي جي” CpG، تعزز حجم الاستجابة المناعية لدى الملقحين.
فاعليته وآثاره الجانبية
في المرحلة الثالثة من التجربة، ولد اللقاح استجابات واسعة من الخلايا التائية T-cell ضد ثلاثة من بروتينات “سارس- كوف- 2” هي “أس” S و”أم” M و”أن” N، علماً أنها تؤدي جميعها أدواراً مختلفة في عمل الفيروس.
وفق البروفيسور فين تبين أن “استجابات الأجسام المضادة، أقله بعد أخذ الجرعات الأولى، جيدة بالقدر عينه كما [استجابات] لقاح “أسترازينيكا” أو ربما أفضل. ولوحظت استجابات من الخلايا التائية ضد مستضدات [مادة تثير الاستجابة المناعية] فيروسية عدة، ولكن لم تُعرف بعد الأهمية التي تكتسيها في توفير الحماية. عموماً، لن تصبح الأدلة على فاعلية [اللقاح] ضد عدوى [كورونا] والأشكال الحادة من المرض متاحة إلا بعد استخدام اللقاح على نطاق واسع”.
بناء عليه، استندت إجازة استخدام لقاح [فالنيفا] إلى بيانات متعلقة بالسلامة والقدرة على تحفيز جهاز المناعة مستقاة من دراسات تجريبية نهضت بها الشركة. في الحقيقة، “للحصول على ترخيص بالاستخدام صادر عن “هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية”MHRA في بريطانيا، يصح القول بأن البيانات لا بد أن تكون وازنة [يعول عليها ويعتد بها]”، ذكر البروفيسور فين.
وفق البيانات، يظهر لقاح “فالنيفا” تفاعلاً معاكساً أقل مقارنة مع اللقاحات القائمة على تقنية “الحمض النووي الريبوزي المرسال” والتي تعتمد على “ناقل فيروسي غدي”. ذلك مفاده أنه يتسبب بعدد أقل من الآثار الجانبية القصيرة الأجل، من قبيل الألم في الذراعين والصداع والحمى.
كذلك أثبتت دراسات مختبرية أن في مستطاع لقاح [فالنيفا] تحييد المتحورتين الجينيتين “أوميكرون” و”دلتا” بشكل فاعل، ما عزز الأمل في قدرته على توفير جدار منيع ضد السلالات المستقبلية من فيروس “كورونا”.
توافره
كان مقرراً أن تتلقى المملكة المتحدة 100 مليون جرعة من لقاح الشركة الفرنسية، لكن الحكومة البريطانية ألغت الصفقة في سبتمبر (أيلول) الماضي جراء “إخلال في الالتزامات”. على هذا الأساس، قال البروفيسور فين، إن اللقاح “على الأرجح لن يكون متاحاً في المملكة المتحدة في المستقبل القريب”.
وقالت رئيسة المجموعة المكلفة بتطوير لقاح مضاد لفيروس “كورونا” في المملكة المتحدة للعام الماضي، إن الحكومة البريطانية ربما “لم تبد نزاهة” في الطريقة التي ألغت بها صفقة اللقاح.
وانتقدت كيت بينغهام، التي تنحت عن منصبها في نهاية 2020، قرار الانسحاب من اتفاقية [استقدام كميات من لقاح فالنيفا] قبل أن تنتهي شركة “فالنيفا” من الاختبارات السريرية على اللقاح.
ولكن مع ذلك، بعد الموافقة على استخدام اللقاح، أصبح لدى الحكومة البريطانية الآن على الأقل خيار إبرام صفقة جديدة مع “فالنيفا” وحجز كمية من الجرعات التحصينية.
أما حاجة المملكة المتحدة إلى إمدادات إضافية من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا من عدمها فتبقى مسألة مختلفة، ولكن في رأي البروفيسور فين تبقى “فكرة سديدة أن تكون في متناولك أنواع عدة وكميات كبيرة من اللقاحات”.
وأضاف البروفيسور فين أن هذا التدبير “يزيد كمية الإمدادات من لقاحات كورونا والإمدادات البديلة أيضاً (من ثم خفض النقص غير المتوقع)، ويضاعف عدد الخيارات في ما يتصل بالفاعلية مع مرور الوقت وسلامة الاستخدام مع نمو الخبرة المكتسبة”.
ولكن ضع في الحسبان أنه في حال قررت الحكومة البريطانية أنها تريد البدء في طرح لقاح “فالنيفا”، عليها أولاً أن تنال الضوء الأخضر [الإذن] من “اللجنة المشتركة للتطعيم والتحصين”.
“شخصياً، لا أعتقد أن [لقاح “فالنيفا”] سيجد استخداماً كبيراً في المملكة المتحدة لأن الغالبية العظمى من الناس في البلاد تلقت لقاحات ذات كفاءة أكبر، كما يبدو، أو أصيبت بعدوى “كوفيد” مرة واحدة على أقل تقدير، وكثيرون منهم قد أخذوا اللقاح والتقطوا العدوى أيضاً”، بحسبما قال بول هانتر، بروفيسور في الطب في “جامعة إيست أنجليا” في بريطانيا.
ولكن [لقاح “فالنيفا”] ربما يجد، وفق البروفيسور هانتر، “استخداماً أكبر في البلاد ذات الدخل المنخفض لأن تخزينه ونقله أسهل على الأرجح مقارنة مع بعض اللقاحات الأخرى.”