حال من الجدل أثارها الإعلان عن إقامة خيمة رمضانية في قصر القبة التاريخي بمصر، لتقديم وجبات للإفطار والسحور، مصحوبة بحفلات فنية وفقرات غنائية، متماشية مع أجواء رمضان، أعلنت عنها إحدى الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مصحوبة بصور من افتتاح الخيمة، بحضور بعض نجوم الفن والشخصيات العامة، إضافة إلى الإعلان عن قائمة الطعام وصور من المكان ذي الطابع الملكي.
آراء المصريين حول الأمر ذهبت إلى منحيين، الأول يرى أن بعض الأماكن التاريخية ذات القيمة الكبيرة، ومن بينها قصر القبة ينبغي الحفاظ على مكانتها، بعيداً من إقامة مثل هذه النوعية من النشاطات، والثاني لا مانع لديه من استغلال الأماكن التاريخية في فعاليات متنوعة، طالما هناك ضوابط للحفاظ على المكان، باعتباره يمثل قيمة تاريخية وأثرية كبيرة.
الجدل امتد إلى وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وعبّر بعض متابعيها عن استيائهم من الفكرة، بينما دعمها آخرون، موضحين أن هذا الأمر ليس جديداً وأن دولاً عدة حول العالم تستغل أماكنها الأثرية في أمور مشابهة.
وتطرق الأمر إلى الحديث عن التكلفة المرتفعة للإفطار والسحور، بخاصة في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية بالتواكب مع ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه المصري أخيراً، إذ تبلغ تكلفة الإفطار في المتوسط 700 جنيه (نحو 40 دولاراً)، وفي نهاية الأسبوع تصل إلى 850 جنيهاً (47 دولاراً). في حين لم ينتقدها البعض على اعتبار أن الفنادق الفاخرة في القاهرة تقدم وجباتها في هذا الإطار وأكثر، ومن غير المنطقي أن تقل تكلفة الإفطار في قصر ملكي.
كريم، وهو مهندس مصري، يقول: “إقامة مثل هذه الفعاليات في أماكن تاريخية أمر ليس جديداً ولا يقتصر على مصر، وشهدت بنفسي أحداثاً مشابهة في أكثر من دولة أجنبية، حيث عشت لأعوام أثناء دراستي وعملي. الفكرة ليست في إقامة الحدث، لكن في كيف سيُنظم بالحفاظ على هيبة المكان ووقاره. وفي رأيي الشخصي المبدأ ذاته قابل للتنفيذ، لكن بضوابط تليق بطبيعة المكان، وهناك أماكن تاريخية قائمة بالفعل في مصر تحوّلت إلى فنادق أو مقار تقدم فيها حفلات فنية”.
بينما تقول دينا، وهي موظفة في أحد البنوك المصرية، “لا أرى أن إقامة خيمة رمضانية داخل واحد من القصور الملكية أمر مناسب على الإطلاق، فالنشاط الذي تجري إقامته لا بد من أن تكون له علاقة بطبيعة المكان، وأتصور أنه من غير اللائق تحويل حديقة واحد من القصور الملكية إلى خيمة رمضانية، فالنشاط ذاته لا يتناسب مع طابع المكان”.
ليست السابقة الأولى
لا تُعدّ هذه هي السابقة الأولى التي تجري فيها إقامة إفطار أو سحور في مكان تاريخي. فمنذ أعوام عدة، كان يُنظّم أمر مشابه في قلعة صلاح الدين بمنطقة القاهرة التاريخية، لكن بصورة أبسط وأقل بذخاً من المقامة الحالية في قصر القبة، وكثير من المناطق الأثرية توجد بها مطاعم وكافيهات تعمل طوال العام، وليس في رمضان فقط، ومن بينها أهرامات الجيزة، التي تضم مطعماً يطلّ عليها، ويقام بها كثير من الفعاليات على مدار أعوام.
وفي سياق متصل، شهد قصر عابدين الذي يُعدّ من أهم القصور الملكية في مصر جدلاً مشابهاً في الفترة الأخيرة عندما أقيمت في الحديقة الممتدة أمامه مجموعة من الكافيهات والمطاعم وحديقة لألعاب الأطفال. وتشهد هذه المنطقة هي الأخرى حالياً بعض الفعاليات الرمضانية، ما دفع البعض إلى انتقاد الفكرة في الإطار ذاته، باعتبار أنه ينبغي الحفاظ على قيمة هذه الأماكن.
وكان قصر عابدين شهد أيضاً في الفترة الأخيرة تنظيم حفلات بتقنية الهولوغرام لكوكب الشرق أم كلثوم في سابقة كانت تُعدّ جديدة على مصر، ومن بعدها إقامة حفلات غنائية لكبار النجوم مثل أنغام ومدحت صالح وغيرهما.
تقول نهى، وهي سيدة في الثلاثينيات تسكن بمنطقة عابدين حيث القصر، “أسكن بالقرب من قصر عابدين منذ أعوام، ولم يرُق لي ما شهدته المنطقة أخيراً، وأشعر بأنه لا يتوافق مع طبيعة المكان وقيمته، وأؤيد فكرة استخدام الأماكن التاريخية في فعاليات مختلفة، وخلق علاقة بينها وبين الناس، على أن تكون مرتبطة بالمكان، مثل أحداث ثقافية أو فعاليات تنتمي للفنون الراقية، وشاهدت على مواقع التواصل الإعلان عن الإفطار في قصر القبة، وأرى أنه ينطبق عليه السياق ذاته، فالقصور الملكية هي ذات قيمة كبيرة وأهم من أن تتحول إلى أماكن يقصدها الناس لتناول الطعام”.
تاريخ قصر القبة
قصر القبة هو واحد من أهم القصور الملكية في عهد أسرة محمد علي باشا، ويُعدّ من أكبر القصور الملكية من حيث المساحة، التي تصل إلى 190 فداناً، وبُني في عهد الخديوي إسماعيل على أطلال منزل قديم لوالده إبراهيم باشا، واستمر بناؤه ستة أعوام، من عام 1867 إلى 1872، وافتتح القصر رسمياً في يناير (كانون الثاني) عام 1873 في حفل زفاف الأمير محمد توفيق، ولي عهد الخديوي إسماعيل، ليرتبط القصر في ما بعد بحفلات الزفاف والأفراح الأسطورية للعائلة الملكية، وأشهرها زواج الملك فاروق من الملكة فريدة في يناير عام 1938.
واتخذه الملك فؤاد الأول مقراً لإقامته منذ عام 1925 وشُيّعت منه جنازته عام 1936، وشهد القصر أيضاً أول خطاب مسجَّل للإذاعة المصرية للملك فاروق عقب تولّيه الحكم في 8 مايو (أيار) عام 1936 بعد عودته من إنجلترا عقب وفاة والده الملك فؤاد، وكان القصر مقر لإقامة شاه إيران محمد رضا بهلوي بعد لجوئه السياسي إلى مصر عام 1979.