يبدي الأردن قلقاً مضاعفاً من احتمال عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو إلى السلطة، بعد تصدع الائتلاف الحكومي في إسرائيل، على خلفية استقالة أحد أعضائه واحتمالية الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
ويحاول الأردن قدر الإمكان، تجنب هذه الأنباء غير السارة، وإنجاح تفاهمات غير معلنة مع إسرائيل، لوقف التصعيد خلال شهر رمضان من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وهو ما يفسر قرار وزارة الأوقاف الأردنية المشرفة على المسجد الأقصى بمنع الاعتكاف في المسجد طيلة شهر رمضان باستثناء العشر الأواخر، مقابل تعهد الجانب الإسرائيلي بوقف اعتزام مستوطنين ذبح قرابين “عيد الفصح” اليهودي في المسجد الأقصى. لكن هذا القرار لاقى احتجاجاً شعبياً في الأراضي الفلسطينية وفي الأردن على حد سواء، وتم تصويره من قبل الجهات المعترضة، وأبرزها جماعة “الإخوان المسلمين” على أنه “خذلان أردني رسمي لأهالي القدس ولصمودهم، ويتناقض مع الوصاية الأردنية على المقدسات”.
يأتي ذلك بالتزامن مع ارتفاع وتيرة الاقتحامات التي ينفذها متطرفون إسرائيليون للمسجد الأقصى، وجرى آخرها بمشاركة نتنياهو، الذي لطالما اعتبر عدواً لدوداً للأردن، وشكلت فترة رئاسته للحكومة الإسرائيلية سنوات عجافاً بالنسبة لعمان
تصدع الائتلاف الحكومي
وشكلت استقالة عضو الكنيست عن حزب “يمينا”، عيديت سيلمان، تصدعاً للائتلاف الحكومي الإسرائيلي، وفرصة مواتية للمعارضة اليمينية برئاسة نتنياهو، إذا ما اعتُمد خيار الانتخابات المبكرة وهو سيناريو مطروح بقوة.
ووفقاً لمراقبين، فإن الرهان بالنسبة لنتنياهو الآن هو استقالة آخرين من الائتلاف الحكومي، ليتمكن من تقديم تشريع في الكنيست، يطالب بحل الحكومة بسبب فقدانها الأغلبية المطلوبة.
ويتشكل الائتلاف الحكومي من عدد من الأحزاب اليمينية والوسطية واليسارية، ويتمتع بأغلبية هشة حيث يحوز على ثقة 60 نائباً من أعضاء البرلمان، من أصل 120 بعد الاستقالة الأخيرة.
وعلى الفور، أبدى نتنياهو، حماسة للعودة إلى رئاسة الحكومة من خلال تشكيل حكومة جديدة. وقال في تغريدة على “تويتر”، توجه بها لأعضاء الكنيست، “انضموا إلى عيديت سيلمان، وانضموا إلينا، وسنعيد إسرائيل معاً إلى طريق النجاح والازدهار والأمن والسلام”، ووفقاً للصحافة الإسرائيلية، فإن عيديت سيلمان اتفقت مع نتنياهو على تولي منصب وزيرة الصحة في الحكومة المقبلة.
الأردن وشبح نتنياهو
يخيم شبح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو على عمان، وهو ما يدفع وزارة الخارجية الأردنية إلى لعمل مبكراً على صد الارتدادات السياسية لعودته المحتملة.
ولذلك تبدو عمان حريصة كل الحرص على إدامة عمر الحكومة الإسرائيلية برئاسة نفتالي بينيت بكل ما تملك من أدوات، ومن بينها خفض التصعيد في القدس، وإجراء اتصالاتها وتجربة ثقلها السياسي لدى بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي من العرب لضمان عودة نتنياهو.
واتسمت العلاقة الإسرائيلية – الأردنية بالتوتر خلال ولاية زعيم الليكود على رأس الحكومة التي استمرت نحو 12 سنة.
وبمجرد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بينيت، بدأت العلاقات بين الطرفين بالتحسن، فتوالت التصريحات والمشاريع المشتركة، كما رفع الأردن لأول مرة السرية عن زيارات المسؤولين الإسرائيليين إلى المملكة، والتي تلاحقت تباعاً.
وكان تهديد نتنياهو بإنهاء الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى السبب الأساس للتوتر الشديد بين نتنياهو والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، فضلاً عن مساعيه لتقويض حل الدولتين، ومحاولة المس بالأمن القومي الأردني.
لاحقاً، حاولت تل أبيب ترطيب العلاقة مع عمان عبر ملف المياه وضخ كميات إضافية للأردن الذي يعاني من أزمة مائية، الأمر الذي عطله نتنياهو مراراً، فضلاً عن رفع سقف الصادرات الأردنية إلى الضفة الغربية.
وبمجرد إعلان توقيع الأردن وإسرائيل اتفاقاً لشراء المملكة 50 مليون متر مكعب مياه من تل أبيب، هاجم نتنياهو الاتفاق، واعتبر أنه جاء من دون الحصول على أي مقابل سياسي لإسرائيل.
ووصف الملك عبد الله الثاني في عام 2019 علاقات بلاده مع إسرائيل بأنها “في أدنى مستوياتها على الإطلاق”، ولفت في عام 2020 إلى احتمال “صدام كبير” بعد ضم إسرائيل غور الأردن.
تعهدات إسرائيلية
وعلى الرغم من تعهد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، بالمحافظة على الوضع الراهن في الحرم القدسي، استجابة لمطالب أردنية، ترى عمان أن أي تفجر جديد للأوضاع سيسرع عودة نتنياهو إلى الواجهة السياسية مجدداً.
لكن هرتسوغ ينفي صحة الأنباء التي تتحدث عن اعتزام مستوطنين ذبح قرابين “عيد الفصح” اليهودي في المسجد الأقصى، وجاء هذا النفي في مأدبة إفطار لسفراء مسلمين وعرب في إسرائيل، وكان اللافت غياب السفير الأردني لدى تل أبيب عنها، ما يعني قلق الأردن الكبير مما يحدث في القدس.
ويقصد بـ”الوضع الراهن” في الحرم القدسي ما كان عليه الحال خلال فترة حكم الدولة العثمانية، واستمر خلال الانتداب البريطاني على فلسطين ثم الحكم الأردني حتى عام 1967.
لكن إسرائيل تسمح منذ عام 2003 وبشكل دوري لمستوطنين إسرائيليين باقتحام المسجد الأقصى.