تعطي إيران إشارات متناقضة، في ما يتعلق بمفاوضات الملف النووي. فتارة تصدر تصريحات عن مسؤولين فيها تتحدث عن تقدم ملموس في المفاوضات، ثم ما تلبث أن تصدر تصريحات نافية من مسؤولين آخرين.
لكن اللافت خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، أن المرشد الإيراني علي خامنئي، نشرعلى حسابه على “تويتر” تغريدة جاء فيها إن “المفاوضات تسير على ما يرام”، لكن حساب المرشد عاد لكي يعدل التغريدة، بعد ساعات من نشرها حاذفا منها عبارة “تسير على ما يرام”.
وجاء في التغريدة المحذوفة: “تسير الأمور في المفاوضات النووية بشكل جيد، والوفد المفاوض يطلع رئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للأمن القومي والآخرين على المستجدات، ويتخذون القرارات ويتقدمون إلى الأمام”، مشيرا إلى أن “وفدنا المفاوض قد صمد حتى اللحظة أمام جشع الطرف المقابل، وسوف يستمر في ذلك إن شاء الله”.
وهنا النص كما ورد بعد التعديل: “الحمد لله أن دبلوماسية الدولة تسير في اتجاه جيد، وما يدور في الدبلوماسية الآن هو الملف النووي. والوفد المفاوض يطلع رئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للأمن القومي والآخرين على المستجدات، ويتخذون القرارات ويتقدمون إلى الأمام. وفدنا المفاوض قد صمد حتى اللحظة أمام جشع الطرف المقابل”.
وعلقت المفاوضات الخاصة بإحياء الاتفاق النووي في الجولة الجديدة في 11 مارس (آذار) بعد إدخال شروط روسية جديدة؛ وذكرت وسائل الإعلام في وقت لاحق أن الخلاف الرئيسي بين الولايات المتحدة وإيران كان حول إزالة الحرس الثوري أو إبقائه في قائمة المنظمات الإرهابية.
قتل القادة الأميركيين
وفي هذا الإطار، قال محمد باكبور قائد القوة البرية في “الحرس الثوري الإيراني” إن قتل جميع القادة الأميركيين لن يكون كافياً للثأر لمقتل قاسم سليماني، وفق ما نقلت وكالة “رويترز”.
أضاف باكبور “علينا أن نتبع خطى سليماني ونثأر لمقتله بطرق أخرى”.
يأتي ذلك في ظل مراوحة المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
وإحدى القضايا العالقة في االمفاوضات هي إذا ما كانت واشنطن سترفع “الحرس الثوري” من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية الأجنبية مثلما طالبت طهران من أجل إحياء الاتفاق.
وقُتل سليماني الذي كان قائداً لـ “فيلق القدس” الذراع الخارجية لـ”الحرس الثوري الإيراني”، في غارة بطائرة مسيرة في العراق في الثالث من يناير (كانون الثاني) 2020 بأمر من الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب.
وكان برفقته نائب رئيس “الحشد الشعبي” العراقي أبو مهدي المهندس.
وردت طهران بعد أيام من اغتيال سليماني بقصف صاروخي على قاعدة عين الأسد في غرب العراق، حيث ينتشر جنود أميركيون.
عقوبات إيرانية
وكانت وزارة الخارجية الإيرانية أعلنت، السبت 8 يناير، أن طهران فرضت عقوبات على 51 أميركياً، كثير منهم من الجيش الأميركي، على خلفية مقتل سليمان.
واتهمت الخارجية الإيرانية الذين شملتهم العقوبات “بالإرهاب” وانتهاكات متعلقة بحقوق الإنسان.
وشملت قائمة العقوبات الإيرانية الجنرال الأميركي مارك ميلي ورئيس هيئة الأركان المشتركة روبرت أوبراين مستشار الأمن القومي السابق للبيت الأبيض.
وتسمح هذه الخطوة للسلطات الإيرانية بمصادرة أي أصول يمتلكها هؤلاء في إيران، لكن الغياب الواضح لمثل هذه الأصول يعني أنها ستكون رمزية على الأرجح.
وأضافت الوزارة، في بيان نقلته وسائل إعلام محلية، أن استهدافهم بالعقوبات جاء “لدورهم في الجريمة الإرهابية من قبل الولايات المتحدة ضد الجنرال الشهيد قاسم سليماني ورفاقه والترويج للإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان الأساسية”.
وفي خطوة مماثلة قبل عام، فرضت إيران عقوبات على ترمب والعديد من كبار المسؤولين الأميركيين بسبب ما وصفته بأعمال “إرهابية ومعادية لحقوق الإنسان”.
وفرضت إدارة ترمب عقوبات على مسؤولين وساسة وشركات إيرانية بعد انسحاب الولايات المتحدة في عام 2018 من اتفاق طهران النووي المبرم عام 2015 مع القوى العالمية.
“عمليات ثأر القادة”
وفي ظل تأهب أمني فرضه حلول الذكرى الثانية لمقتل سليماني، في الثالث من أبريل (نيسان) الحالي، تعرض مطار بغداد الذي يضم قاعدة فيكتوري العسكرية العراقية، حيث تعمل قوات استشارية تابعة للتحالف الدولي، إلى هجوم “بطائرتين مسيرتين مفخختين”، وفق ما أعلن مسؤول في التحالف الدولي.
وأظهرت صور للتحالف بقايا من الطائرتين كتب عليهما “عمليات ثأر القادة”، ولم يعلن أي طرف مسؤوليته عن الهجوم.
وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في الذكرى الثانية لاغتيال سليماني قبل أيام، إن ترمب يجب أن يواجه المحاكمة بتهمة القتل وإلا ستثأر طهران.
وتجري إيران والولايات المتحدة حالياً محادثات غير مباشرة في فيينا لإنقاذ الاتفاق.
شفير مواجهة
وشهد عهد ترمب تصاعداً في التوتر بين العدوين اللدودين الولايات المتحدة وإيران. وبلغ البلدان مرتين شفير مواجهة عسكرية مباشرة، أولاهما في يونيو (حزيران) 2019، بعد إسقاط إيران طائرة أميركية من دون طيار قالت طهران إنها اخترقت مجالها الجوي، وثانيهما بعد اغتيال سليماني.
وتوالت مذاك مطالبات إيران والفصائل الموالية لها في العراق بالانسحاب الكامل للقوات الأجنبية المنتشرة في البلاد في إطار التحالف الدولي لمكافحة تنظيم “داعش”.
كذلك تكثفت الهجمات ضد المصالح الأميركية في العراق بصواريخ أو طائرات مسيرة أحياناً، استهدفت محيط السفارة الأميركية في العراق أو قواعد عسكرية عراقية تضم قوات من التحالف الدولي، مثل عين الأسد أو مطار أربيل.
وتراجعت وتيرة الهجمات خلال الفترة الماضية، وغالباً لا تسفر عن ضحايا أو أضرار تذكر ولا تتبناها أي جهة، لكن واشنطن تنسبها إلى الفصائل الموالية لإيران.