يبدو أن إلغاء مرتقباً لبرنامج “متفوق عالمياً” يعنى بمراقبة كورونا سيترك وزراء المملكة المتحدة من دون معلومات بشأن أي ارتفاعات كبيرة ومفاجئة في إصابات “كوفيد” في وقت تصل أعداد الحالات إلى مستويات غير مسبوقة، بحسبما حذر عدد من العلماء.
في إطار خطة وضعتها الحكومة البريطانية لخفض تكاليف “كوفيد”، أوقف العمل بدراسة “رياكت-1″React-1 (التقييم الآني للانتشار المجتمعي)، على الرغم من أنها أدت دوراً بالغ الأهمية في رصد وتتبع تفشي متحورة “ألفا” من فيروس “كورونا” في ديسمبر (كانون الأول) 2020، وذلك تماماً قبل دخول البلاد في إغلاقها الثاني لاحتواء الجائحة.
ولكن في تقريرها الأخير، وجدت الدراسة أن 6.37 في المئة من سكان إنجلترا أصيبوا بعدوى “كوفيد” في الفترة الممتدة بين 8 و31 مارس (آذار) الماضي، في أعلى رقم تسجله منذ انطلاقها في مايو (أيار) 2020. ومما يبعث على قلق أكبر أن العلماء الذين يتولون البحث قالوا إن معدل الانتشار قد بلغ أيضاً مستويات عالية جديدة في صفوف الفئة العمرية من 55 عاماً فما فوق، بنسبة 8.31 في المئة.
وقالت “الجمعية الإحصائية الملكية” (اختصاراً “آر أس أس” RSS)، إن إلغاء المشروع في وقت كانت حالات “كوفيد” تبلغ مستويات قياسية يضر باستعداد البلاد ويعرض الصحة العامة للخطر.
الثلاثاء الماضي وللمرة الأولى منذ فبراير (شباط) 2021، تخطى عدد مرضى “كوفيد” في مستشفيات المملكة المتحدة 20 ألف شخص، بحسبما كشفت البيانات الأحدث الصادرة عن “هيئة الخدمات الصحية الوطنية” (“أن أتش أس”NHS )، بينما شهدت الأسابيع الأخيرة صعوداً في حالات دخول مصابين يعانون مضاعفات خطيرة من “كوفيد”، ومرضى صودف أن جاءت نتيجة اختبارهم موجبة عندما قصدوا المستشفى لأنهم يكابدون مشاكل صحية ملحة أخرى.
وانتشار “كوفيد” داخل المستشفيات يغذي النقص في الموظفين، والأسرة المجهزة والمتروكة لاستقبال المصابين، فضلاً عن حدوث تأخيرات في عودة المرضى إلى منازلهم في مناطق متعددة من البلاد. وتقول مصادر “هيئة الخدمات الصحية الوطنية”، إن هذه التبعات تتزامن مع تأخر سيارات الإسعاف في إيصال المرضى إلى المستشفيات، والوقت الذي تستغرقه هذه الوحدات للاستجابة لحالات الطوارئ.
كشفت معلومات اطلعت عليها “اندبندنت” أن مئات الأسرّة غير مستخدمة حالياً في مستشفيات “نيوكاسل أبون تاين”Newcastle upon Tyne Hospitals التابعة لـ”هيئة الخدمات الصحية الوطنية” نتيجة ارتفاعات كبيرة في “كوفيد”. وقال أحد كبار الأطباء، إن “المستشفى يفقد السيطرة على زمام الأمور”، وإنه عبر شمال شرقي إنجلترا، حتى أقسام الطوارئ ذات “الكفاءة العالية” كانت “تنهار” فيما “سيارات الإسعاف تتكدس خارج المستشفى”.
وقالت البروفيسورة كريستل دونيلي، وهي واحدة من الخبراء في دراسة “رياكت”، إن برنامج التطعيم أدى دوراً “مهماً جداً” في حماية السكان، خصوصاً المسنين منهم، والفئات الأكثر هشاشة.
ومع ذلك، حذرت البروفيسورة دونيلي من أنه “ما زال صحيحاً” أن الارتفاع الأخير في عدد الإصابات على مستوى البلاد سيؤدي إلى “نتائج أكثر خطورة”.
“لا نعرف بعد متى سنشهد ذروة في الإصابات في أوساط الفئة العمرية الأكبر سناً، بين 55 عاماً فما فوق، ونظراً إلى أن هؤلاء أكثر عرضة لخطر المضاعفات الصحية الوخيمة، يبعث هذا الأمر قلقاً كبيراً. إذا استمر معدل انتشار كوفيد في الارتفاع، سترى حالات ارتفاع أخرى في معدلات المضاعفات الصحية الحادة”، قالت البروفيسورة دونيلي.
في مارس الماضي كشفت الدراسة الأخيرة والنهائية لـ”رياكت- 1″ أن انتشار “كوفيد” تجاوز ضعف ما وصل إليه في فبراير. وقد سُجلت أعلى المعدلات لدى الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عاماً، الذين لم يبدأوا بأخذ لقاحاتهم المضادة إلا أخيراً.
وورد في البحث أن المعدلات أخذت تستقر في صفوف الفئتين العمريتين، بين 18 و34 عاماً و35 و54 عاماً، فيما لا توجد أي علامات على تباطؤ وتيرة الإصابات لدى الأشخاص الذين تخطوا 55 عاماً.
كذلك رصدت دراسة “رياكت” خمس حالات من المتحورة التي ظهرت أخيراً “إكس إي” XE، التي سجلت المملكة المتحدة 763 حالة منها حتى الآن، وفق “وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة” (UKHSA).
حتى الآن، “لا يُعرف سوى القليل عن الأعراض السريرية لمتحورة “إكس إي”، وما إذا كانت تؤدي إلى حالات مرض أكثر خطورة مقارنة مع “بي أي. 1″BA.1 [سلالة أوميكرون] أو “بي أي. 2” BA.2 [السلالة المتفرعة من أوميكرون]، ولكن تشير مؤشرات أولية إلى أنها تسجل معدل نمو أعلى مقارنة مع “بي أي. 2″، وفق ما كتب العلماء.
وأشارت البروفيسورة دونيلي إلى أن القدرة على اكتشاف المتحورات الجينية الجديدة من “كورونا” يمكن أن تتأثر سلباً بقرار الحد من البنى الأساسية المعنية بمراقبة “كوفيد” في المملكة المتحدة. (المسح الأسبوعي لإصابات “كوفيد” الذي ينهض به “المكتب الوطني للإحصاءات” (ONS)، ويعتبر المعيار الأمثل في هذا الشأن، من المقرر تقليص حجمه، إنما من دون إلغائه).
وقالت البروفيسورة دونيلي، إن “خفض حجم الاختبارات التي تنجزها، يقلص القدرة، وقد يستغرق اكتشاف هذه [المتحورات الجديدة] وقتاً أطول قليلاً”.
“ولكن من المهم أن اختبارات الكشف ما زالت جارية، وأن في متناولنا تسلسلاً منهجياً للعينات… ثمة كثير من المتحورات الجينية في كل مكان، ويُبحث في الطريقة التي تساعد على الصعيدين الوطني والدولي في تحديد هذه المتحورات المثيرة للقلق، والحرص على أن يرى الناس ما ينتظرهم”، أضافت البروفيسورة دونيلي.
البروفيسور بول إليوت، الذي يتولى إدارة “رياكت- 1″، أعرب عن شعوره “بخيبة أمل” لأن برنامج رصد مراقبة “كوفيد” قد اقترب من نهايته، بعدما درس 2.5 مليون عينة منذ مايو 2020، لكنه أقر بأن “الأمور قد تغيرت” فيما يتعلق بـ”كوفيد” واستجابة الحكومة.
وقالت كريستينا باغل، بروفيسورة في البحوث التنفيذية في “كلية لندن الجامعية” (UCL)، إن “رياكت- 1” كانت دراسة مذهلة عن العدوى المجتمعية في إنجلترا، تكمل مسح إصابات “كوفيد” الذي يضطلع به “المكتب الوطني للإحصاءات”.
“لما كانت [دراسة رياكت- 1] تستخدم اختبارات الـ”بي سي آر”PCR [تفاعل البوليمراز المتسلسل]، فإنها تعد أيضاً نافذة مهمة إلى التطور المستمر للفيروس الذي يتعذر علينا رصده من طريق اختبارات “التدفق الجانبي” lateral flow. لا يبدو من الحكمة وقف تمويل [الدراسة] الآن في وقت تسجل إصابات [كوفيد] المعدلات الأعلى على الإطلاق، فضلاً عن أن متحورات متفرعة جديدة عدة قد ظهرت”، وفق باغل.
البروفيسورة سيلفيا ريتشاردسون، رئيسة “الجمعية الإحصائية الملكية ، قالت إن الدراسة “قدمت نظرات متعمقة بالغة الأهمية بشأن انتشار المرض والمتحورات الجديدة من “كورونا” كي يصار إلى التعجيل في اتخاذ القرارات المتصلة بالصحة العامة.
وفق البروفيسورة ريتشاردسون، “ندخل مرحلة جديدة من الجائحة، إذ ترتفع الحالات فيما تتدنى كثيراً نسبة فحوصات الكشف. إلغاء البرنامج تماماً من دون الاحتفاظ بنسخة مصغرة من “رياكت-1″ يضر بجاهزية البلاد ويتهدد الصحة العامة بالخطر”.
يجيء ذلك في وقت حذرت فيه خدمات إسعاف عدة من ارتفاع فترات تسليم المرضى في المستشفيات، ما يتسبب في تأخيرات شديدة في أوقات الاستجابة.
وزعمت مصادر من “هيئة الخدمات الصحية الوطنية” تعمل في جنوب غربي إنجلترا أن حالات نقل الشرطة للمرضى إلى المستشفيات ازدادت بسبب النقص في توفر سيارات الإسعاف خلال الأشهر الأخيرة، وأنها تحدث الآن على نحو “متكرر”.
في الوقت نفسه، قال أحد كبار الأطباء في مانشستر، إنه قد شهد حالات انتظار طالت 30 ساعة قبل توفر سرير داخل المستشفى حيث يعمل، بينما كشفت تقارير في “مجلة الخدمات الصحية”Health Service Journal أن أطباء في “مستشفيات لانكشاير التعليمية” حذروا الرؤساء، أخيراً، من أن المرضى ينتظرون يومين قبل الحصول على سرير في قسم الحوادث والطوارئ.
يعتقد مسؤولون في خدمة الإسعاف أنه في فبراير الماضي، حوالى ثمانية من كل 10 مرضى ربما لحق بهم بعض الأذى بسبب التأخير في تسليم المرضى إلى أقسام الحوادث والطوارئ المزدحمة في المستشفيات.
الدكتورة ليلى مكاي، مديرة السياسات في “اتحاد الخدمات الصحية الوطنية” في المملكة المتحدة، الذي يمثل جميع المستشفيات في إنجلترا قالت، “رؤساء ’هيئة الخدمات الصحية الوطنية’ وفرقهم ينكبون على تعزيز حجم الخدمات الصحية المتصلة بـ’كوفيد’ وإعادة فتح الأجنحة المخصصة لفيروس كورونا، ولكن على الحكومة البريطانية أن تكون حذرة، فإلى جانب النقص المزمن في الموظفين، وقائمة الانتظار التي تجاوزت الآن 6.1 مليون، تلزمنا فعلاً مناقشة واقعية حول الوضع الحالي في الخدمة الصحية”.
وتعقيباً على دراسة “رياكت- 1″، قالت الدكتورة مكاي، إن “الإشارة إلى المستويات غير المسبوقة والمستمرة في الارتفاع من إصابات [كوفيد] بين كبار السن كانت مقلقة جداً”.