يحاول العراق التقليل من الآثار السلبية لنتائج الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا على اقتصاده، وخصوصاً فيما يتعلق بتوفير المواد الغذائية الأساسية، التي ارتفعت أسعارها عالمياً، وتلقي بظلالها على شرائح واسعة من المجتمع العراقي، الذي يعاني في الأصل أزمات مركبة في جميع مجالات الحياة.
الحكومة العراقية تعمل على زيادة المساحة المزروعة خلال الفترة المقبلة لتأمين جزء مهم من احتياجات البلاد من الحبوب والخضراوات وتحفيز المزارعين على إنتاج مزيد من القمح بعد رفع سعر الطن الواحد إلى 750 ألف دينار (نحو 515 دولاراً) بعد أن كان 560 ألف دينار (نحو 385 دولاراً) بهدف تحقيق الأمن الغذائي من هذا المحصول الحيوي.
وعلى الرغم من تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح لعامين على التوالي هما 2019 و2020 بإنتاج تجاوز الـ5 ملايين طن، فإن سقف الإنتاج تراجع بعد موسم الجفاف في عام 2021 ليصل إلى 3.3 مليون طن، ومن المتوقع أن يصل إلى 3 ملايين طن أو أقل هذا العام للسبب نفسه.
وفي ظل استمرار نقص المياه، عمد العراق إلى تخفيض خطته الزراعية من القمح والخضراوات إلى النصف، بعد أن حقق الاكتفاء الذاتي من عدد كبير من المحاصيل وبات يصدر البعض منها إلى عدد من دول الخليج، لا سيما الطماطم.
صعوبات كبيرة
وتواجه مساعي الحكومة العراقية لزيادة الإنتاج عراقيل عدة، أبرزها توفير المياه، لا سيما في ظل موسم الجفاف الذي تعانيه البلاد، وعلى الرغم من التحسن النسبي في كميات الأمطار في العراق، فإنها لم تصل إلى مستوى يبشر بموسم زراعي صيفي واسع، كما حصل في السنوات السابقة، وقد يضطر إلى تقليص المساحات الزراعية بمحصول الأرز، التي تعتمد عليه بعض المحافظات، لا سيما محافظة النجف، حيث إن زراعته تستهلك كميات كبيرة من المياه.
وتعمل الحكومة العراقية على مواجهة أسوأ الاحتمالات من خلال تأمين خزين استراتيجي من القمح عبر خطة لشراء 5 ملايين طن ضمن خطة طوارئ لمواجهة أي تطور يؤدي إلى نقصه عالمياً خلال الفترة المقبلة.
المتحدث باسم وزارة الزراعة، حميد النايف، قال إن هناك خططاً لتنمية إنتاج القمح والفواكه والخضر. وأضاف أن “لدى الوزارة البرنامج الوطني لإكثار بذور الرتب العليا والبرنامج الوطني لتنمية محصول الحنطة يعمل حالياً لزيادة غلة الدونم الزراعي ليكون 1200 كيلو غرام بدلاً من 400 كيلو غرام ومشاريع أخرى لإنتاج الخضراوات”.
2.5 مليون طن
ورجح النايف أن يتراوح إنتاج محصول القمح خلال العام الحالي من 2.5 إلى 3 ملايين طن، محذراً من تنفيذ تطبيق قرار مجلس الوزراء الخاص برفع التعرفة الجمركية للمواد الغذائية كافة، لكونه سيؤدي إلى تدمير الإنتاج المحلي. ولفت إلى أن الوزارة أرسلت طلباً إلى مجلس الوزراء، الذي بدوره أخذ طريقه إلى مجلس النواب من خلال الدعم لمشاريع الأسمدة والمبيدات ومنظومات الري.
بدوره، بيّن المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، عون نجم، أن انحباس الأمطار خلال فصل الربيع كان مؤشراً سلبياً في تعزيز الخزين المائي، مضيفاً، “لكنّ هناك خزيناً مائياً متاحاً حالياً”. قال نجم إن الوزارة تطمئن العراقيين بأن لديها ما يكفي من المياه للاستخدامات البشرية ومياه الشرب خلال الموسم المقبل، لافتاً إلى “تخفيض إطلاقات المياه حالياً لعدم وجود احتياجات زراعية بعد إكمال ريّة الفطام لمحصول الشعير”.
اجتماع مع الأتراك
وأشار إلى وجود لقاء مهم مع الجانب التركي، سيحضره ممثل عن الرئيس رجب طيب أردوغان في العراق، للتباحث عن نقاط مهمة، منها إنشاء مركز بحثي بين الجانبين، فضلاً عن نقاش حول الخطة الصيفية التشغيلية للسدود والخزانات. أضاف أنه “من الضروري أن يكون هناك تصور واضح عن الخزانات في تركيا لكي يضع العراق خطة واضحة بشأن المياه”.
ولفت إلى أن النقاش الذي سيجري هو الحصول على حصة ثابتة ومنصفة من نهر دجلة في ضوء ما تم إنشاؤه من سدود داخل تركيا، مؤكداً عدم وجود لقاءات مع إيران حتى الآن بشأن تأمين المياه للعراق.
ويعتمد العراق في تغذية أنهاره سنوياً على المياه المقبلة من تركيا وإيران، خصوصاً في فصل الربيع، فضلاً عن الأمطار والثلوج، وشهدت السنوات الماضية قلة تساقط الأمطار، ما انعكس بشكل سلبي على كمية المياه التي تغذي نهري دجلة والفرات، وهو ما بدى واضحاً في انحسار مساحة نهري الفرات ودجلة داخل الأراضي العراقية.
فعلى الرغم من كون العراق شريكاً تجارياً مهماً لإيران وتركيا، ويعد من المستوردين الكبار للمواد المصنعة في الدولتين، فضلاً عن تعاقده مع شركاتهما لتنفيذ مشاريع في مختلف المجالات، فإن الجانبين كانا يسيران في اتجاه معاكس لهذا التقارب العراقي، حيث اتخذا سلسلة من الإجراءات المستمرة التي زادت من خفض إيرادات المياه إلى البلاد بشكل كبير.
الشرب والبساتين
مدير المركز الوطني لإدارة الموارد المائية، حاتم حميد، قال إن أولوية الوزارة هو تأمين مياه الشرب والمياه للبساتين. وأضاف في تصريح لتلفزيون العراقية الرسمي، أن اللجنة التنسيقية العليا بين وزارتي الموارد المائية ووزارة الزراعة ستناقش الخطة التشغيلية الصيفية يوم 12 أبريل (نيسان)، وبموجبه يتم تحديد المساحات الزراعية التي ستدخل الخطة الزراعية بناءً على نسبة الخزين المائي الموجود في الخزانات العراقية.
وأوضح أنه بموجب هذه الحال يكون هناك تعاون بين الدول المتشاطئة وتقاسم الضرر بينها، لا سيما أن العراق دولة مصب ويتضرر أكثر من تلك الدول، مرجحاً أن تكون هناك اتصالات بعد عيد الفطر مع تركيا لتأمين المياه للخطة الزراعية الصيفية.
وأوضح حميد أن اتصالات جرت مع الجانب السوري وتم إطلاق زيادة محدودة من سد الفرات السوري باتجاه العراق، لافتاً إلى أن هذه الزيادة حسنت الوضع المائي في نهر الفرات. وأكد أن الوضع المائي في المنطقة غير جيد، ويجب أن يكون هناك تعاون بين الدول لتحسين الوضع المائي.
ويبلغ طول نهر الفرات من منبعه في تركيا إلى حتى مصبه في شط العرب 2940 كيلو متراً منها 1176 كلم في تركيا و610 كلم في سوريا و1160 كلم في العراق، ويتراوح عرضه بين 200 وأكثر من 2000 متر عند المصب، فيما ينبع نهر دجلة من جبال طوروس جنوب شرقي الأناضول في تركيا ويعبر الحدود السورية – التركية، ويسير داخل أراضي سوريا بطول 50 كلم تقريباً، ليدخل بعد ذلك أراضي العراق عند قرية فيشخابور.
ويبلغ طول مجرى النهر نحو 1,718 كيلو متر، ينبع من تركيا ومعظم مجراه داخل الأراضي العراقية بطول يبلغ نحو 1400 كيلو متر، وتصب خمسة روافد فيه بعد دخوله الأراضي العراقية، وهي (الخابور والزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم ودييالي)، وهذه الروافد تجلب إلى النهر ثلثي مياهه. أما الثلث الآخر فيأتي من تركيا.