جرى أخيراً في تركيا الإعلان عن مشروع قانون، ينص على بعض التغييرات في قانون الانتخابات. وكانت حكومة حزب العدالة والتنمية تعمل عليه منذ سنتين تقريباً.
وذكرت في تقارير سابقة أن ستة أحزاب معارضة في تركيا، اتخذت خطوة جادة ضد “حزب العدالة والتنمية”، من خلال إصدار إعلان مشترك، وتوقعتُ من الرئيس رجب طيب أردوغان أن يتخذ خطوات تجاه هذه المبادرة. فهذه هي الخطوة الأولى لأردوغان في مجال اقتراح إجراء بعض التغييرات في قانون الانتخابات. وستكون هناك خطوة ثانية وثالثة في المرحلة المقبلة.
وأعتقد أن من أهم هذه الخطوات، محاولة إغلاق “حزب الشعوب الديمقراطي” (HDP) الذي يحظى بتأييد ساحق في صفوف الأكراد في تركيا. وإذا لم يتحقق ذلك، فسيحاول أردوغان إحداث انشقاقات في الحزب، إذا وجد إلى ذلك سبيلاً.
وقد مُرِّرت التغييرات الجديدة في القانون الانتخابي عبر اللجان البرلمانية، وهو في المرحلة الأخيرة بانتظار المصادقة عليه في البرلمان.
وسنحاول في هذا المقال، شرح النتائج التي يتوخاها أردوغان من التغييرات التي يريد تطبيقها على القانون الانتخابي.
في الواقع، كان حزب العدالة والتنمية يريد أن يطبق طريقة “الدائرة الانتخابية الضيقة”. بمعنى آخر، أراد زيادة عدد النواب، من خلال تقسيم تركيا إلى حوالى 600 منطقة. لكن شريكه “حزب الحركة القومية” (MHP) لم يرحب بهذا الطرح، مما أدى إلى تجميد ذلك الاقتراح.
وأخيراً توصل “حزب العدالة والتنمية” و”حزب الحركة القومية” إلى هذا الاقتراح الأخير، ولكني أعتقد أن المشروع الأخير لم يُسعِد كلاً من الطرفين بشكل كامل. لأن القلق الذي كان ينتابهما بسبب تدني نسبة الأصوات، قد تحول الآن إلى كابوس.
وأُعد هذا الاقتراح في ضوء نسبة الأصوات التي حصل عليها “العدالة والتنمية” في الانتخابات الرئاسية لعام 2018.
لكن عندما ننظر إلى كل استطلاعات الرأي التي جرت بعد ذلك، في السنوات الثلاث الماضية، نجد أن الحكومة ظلت تفقد أصواتها بشكل تنازلي، بينما ارتفعت أصوات المعارضة بشكل ملحوظ.
على سبيل المثال، وبعدما حصل حزب العدالة والتنمية على 42.5 في المئة من الأصوات في الانتخابات العامة لعام 2018، تشير الاستطلاعات إلى تراجعه بعشر نقاط اليوم في أحسن الأحوال.
وفي المقابل، بينما حصل “حزب الشعب الجمهوري” على 22.7 في المئة من الأصوات في الانتخابات الماضية، ارتفعت اليوم نسبة أصواته إلى نطاق 27 و28 في المئة.
وبالمثل، تشير استطلاعات الرأي إلى أن “حزب الخير” المعارِض، ارتفعت أصواته من 10 في المئة إلى حوالى 15 في المئة.
لذلك، يبدو أن التغيير المقترَح سيوفر أفضلية للأحزاب الكبيرة في الانتخابات المقبلة، بينما ستكون الأحزاب الصغيرة هي الأكثر تأثراً باقتراح حزب العدالة والتنمية.
وقد خُفِّضت العتبة الانتخابية من 10 في المئة إلى 7 في المئة من الأصوات. لكن هذا الوضع لا يصلح لأي طرف، سوى أنه يضمن حصول الحزب الذي يحتل المرتبة الأولى في المحافظات على عدد أكبر من النواب كنسبة مئوية، وهذا ما يهدف إليه حزب العدالة والتنمية بالفعل، ظناً منه أنه سيكون الأول في كثير من الدوائر الانتخابية.
ومع ذلك، إذا مررت الحكومة اقتراحها الجديد في البرلمان ودخلت الانتخابات في ظله، فقد لا تجد ما تأمل فيه، لأنه إذا تفوقت المعارضة عليها في المدن الكبرى، كما حصل في الانتخابات المحلية في عام 2019، فإن حزب العدالة والتنمية سيسقط في الفخ الذي نصبه للمعارضة.
إذن، كيف سيؤثر هذا التعديل الجديد على حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير، العنصرين الرئيسيين في “تحالف الأمة”؟
يمكن للأحزاب ذات الأصوات المنخفضة الترشح في الانتخابات على قوائم “حزب الشعب الجمهوري” و”حزب الخير”.
وفي هذه الحالة، سيضع حزب الشعب الجمهوري قائمته الخاصة به، وستتشارك الأحزاب الخمسة المتبقية، المحسوبة جميعاً على الطيف اليميني، لتخوض الانتخابات ضمن قوائم “حزب الخير”.
وبالتالي، فإن قائمة “حزب الخير” ستضم أقوى كادر يميني في الانتخابات، وستوفر خياراً قوياً للناخبين الذين لا يرغبون في التصويت للتحالف الجمهوري.
وبذلك ستتاح لـ”تحالف الأمة” الاستفادة من كونه التحالف الذي يقدم للناخبين أقوى قوائم تضم يساريين ويمينيين.
ومن المحتمل أيضاً أن يخوض كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير، الانتخابات بقوائمهما الخاصة، بينما تخوض الأخراب الأربعة الأخرى (المستقبل، ودواء، والسعادة، والحزب الديمقراطي) بقائمة مشتركة في ما بينها.
ولذلك أرى أنه بسبب هذا التعديل الأخير، يُحتمل أن يرجع التحالف الجمهوري الحاكم بخفي حنين، ويواجهَ صورة مختلفة تماماً عما توقعه.
وهناك نقطة مهمة ينبغي التنبه إليها، وهي أنه لا يمكن العمل بالقوانين المتعلقة بالانتخابات إلا بعد مرور عام كامل على إقرارها في البرلمان والمصادقة عليها.
وهذا يعني أن الحكومة إذا لم تلاحظ أن هذه التعديلات لصالحها فلربما تتهرب من العمل بها من خلال الذهاب إلى انتخابات مبكرة أو مباغِتة قبل مرور عام على المصادقة عليها.
إن العامل الأهم الذي سيحدد نتائج الانتخابات وتوزيع النواب، سواء في النظام الحالي المعدل، أو النظام القديم، هو استراتيجية الأحزاب وأداؤها التوافقي وثقة الناخبين فيها.
ولا شك أن الذين سيحققون نتائج أفضل هم، باختصار، أولئك الذين يصبون كل همهم على إقناع الناخبين، وليس أولئك الذين يتلاعبون بالنظام الانتخابي.
ولا ينطبق هذا المبدأ على الأحزاب الستة المعارضة فقط، بل ينطبق على الأحزاب الحاكمة التي تفاوضت لسنتين على مشروع التعديل.