تفاجأ عدد من مربي النحل في مدينة درعا السورية بظاهرة غريبة، تتعلق بفقدان جزء كبير من أسراب النحل في مناطق مختلفة من المحافظة، سواء بهجرتها أو موتها المفاجئ. وعند التحقيق في الأمر والتواصل مع عديد من مربي النحل في مناطق عدة من سوريا، تبين بأن الظاهرة ليست جديدة، بل كانت تتنامى منذ ما يزيد على سبع سنوات، الأمر الذي دفع المتخصصين لتوقع وجود أسباب قاهرة، أدت إلى تشكيل لجنة وزارية للتحقيق في هذه الظاهرة، تضمنت متخصصين من جامعة دمشق والهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية ومديرية وقاية النبات في الوزارة، واتحاد النحالين وجمعية النحالين.
بداية المشكلة
وكانت قد شهدت، منذ قرابة ثلاثة أسابيع، مناطق في المحافظة، وتحديداً منطقتي نوى وخربة غزالة، هجرة أسراب من النحل في ظاهرة لم تحدث سابقاً، لا سيما في هذا الوقت من العام، إذ إنها لا تخرج من خلاياها في ظروف درجات الحرارة المنخفضة، إضافة إلى أن الهجرة عادة ما تحدث بشكل جزئي وليس جماعياً، بحيث تنفصل خلية النحل إلى جزأين، جزء واحد فقط يهاجر مع الملكة الجديدة، والجزء الآخر يبقى في الخلية.
وهنا علينا التفريق بين الهجرة، وبين ما يسمى بـ “ظاهرة التطريد”. فالهجرة تحدث بمغادرة طائفة النحل بكاملها الخلية وارتحالها إلى مكان جديد أفضل لاستمرار حياتها، وغالباً ما تحدث عندما تسوء الظروف البيئية المحيطة بالطائفة. أما التطريد، فهو عملية انقسام طبيعية بغرض تكاثر النحل وزيادة عدده، ويحدث عندما تكون الطائفة في كامل قوتها وفي أحسن ظروفها، بحيث تنقسم إلى طوائف عدة، ويكون هناك اتصال ما بين الطرد الذي غادر الخلية والطائفة الأم في هيئة مراسيل (شغالات) يرسلها الطرد إلى الطائفة الأم.
ويحدث التطريد عادة عند ارتفاع عدد الأفراد وعدم قدرة الخلية على استيعاب عدد إضافي، فيصعب على الملكة القديمة وضع البيض لقلة العيون السداسية الفارغة، فتغادر الملكة القديمة الخلية مع بضعة آلاف من الشغالات، وعدد قليل من الذكور لتبحث عن مسكن جديد.
تخمينات
وانحصرت الاحتمالات بين أسباب صحية، تشمل ضعف مناعة النحل أو المرض أو إصابتها بفيروسات وفطريات، وأسباب مناخية، تتعلق بالتبدلات المناخية وقلة الهطولات المطرية وقلة المراعي، وكذلك موجات البرد القاسية التي ضربت المنطقة، إضافة إلى الجوع وقلة مصادر الغذاء في المنطقة المحيطة بالمنحل من رحيق وحبوب اللقاح.
وأشار إياد دعبول، رئيس المكتب الإقليمي لاتحاد النحالين العرب في سوريا، إلى ممارسات خاطئة تحدث في قطاع النحل من قبل بعض المربين، مثل الاعتماد على التجارب والاجتهادات الشخصية في علاج أمراض النحل، وعلى رأسها مرض “الفاروا”، الأمر الذي أسهم في انتشار الأمراض بدل علاجها، وأدى إلى ضعف مناعة النحل وفقدانه للوزن تدريجاً، وتمكن الفيروسات والفطريات منه، بالتالي قصر عمر النحل بنسبة تزيد على 50 في المئة.
وأضاء على ممارسات خاطئة أخرى، كاستعمال الشمع التجاري والإطارات المستعملة، التي تسهم في انتشار الأمراض، وكذلك استعمال المضادات الحيوية بشكل مفرط من دون الحاجة إليها، ما يضعف مناعة النحل، والاستعانة بحبوب اللقاح التجارية في التغذية، خصوصاً المهربة منها، واستعمال خلطات ومواد اجتهادية في تغذية النحل.
المربون
وبتواصلنا مع عدد من مُربي النحل في مناطق من الساحل السوري، أشار بعضهم إلى أن هجرة النحل ليست جديدة، لا سيما في مناطق الساحل السوري، فقد بدأت منذ أكثر من سبع سنوات، وعبروا عن استهجانهم لقيام المزارعين برش الأسمدة والمبيدات الحشرية من دون الأخذ بالحسبان مصير النحل الذي يقتات على الأشجار ورحيق أزهارها، الأمر الذي غالباً ما يصيب النحل بالتسمم، كما لفتوا إلى إدخال بعض المربين ملكات نحل غريبة عن البيئة، ما أحدث إرباكاً في مجتمع النحل.
من جهة أخرى، يلفت عدد من المهندسين الزراعيين في اللاذقية، الذين عانوا من فقدان النحل لمدة طويلة، إلى خطأ استخدام غبار طلع مستورد من الصين، ليكتشفوا لاحقاً أنه يحمل كمية كبيرة من المواد الكيماوية، وأشاروا إلى أنهم استطاعوا بملاحظتهم هذه أن يتفادوا ما حدث مع نظرائهم في درعا هذا العام، من خلال قيامهم بتجربة استخدام حبوب الطلع البلدية، التي ساعدت خلايا النحل على النجاة والبقاء سليمه من دون أي فقدان.
التقرير الرسمي
وأظهرت النتائج الأولية التي خرجت عن اللجنة الوزارية، الموكلة مهمة متابعة هذا الظاهرة، وجود إصابات مرتفعة بمرض ” أكاروس الفاروا” المدمر، إضافة إلى الاعتماد في التغذية على “عجينة كاندي”، الملوثة بأبواغ فطر “النوزيما”، عدا عن الاستخدام العشوائي للمبيدات، بالتزامن مع التغيرات المناخية.
وأوضح تصريح لمدير زراعة درعا، بسام الحشيش، لوكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” الأربعاء الماضي، الأسباب المحتملة التي حددتها اللجنة، وهي قلة المرعى من جهة، وعدم قدرة مربي النحل على ترحيل الطوائف خارج المحافظة من جهة أخرى، إضافة إلى عدم التنوع في مصادر حبوب الطلع، الأمر الذي انعكس سلباً على مناعة نحل العسل سواء على المستوى الفردي أو على مستوى الطائفة ككل.
كما خرجت اللجنة بمجموعة توصيات تضمنت استكمال الجولات الميدانية في درعا والمحافظات، لتقييم الواقع الصحي لقطاع النحل، والتأكيد على الممارسات الصحيحة، وتعميم وتطبيق برنامج الإدارة المتكامل المعتمد للفاروا ومعالجة النوزيما، والأهم توعية النحالين بتجنب استخدام عجينة الكاندي البروتيني خلال أشهر الشتاء بشكل عام، خصوصاً التي تدخل في تركيبها حبوب الطلع، قبل التأكد من سلامتها عن طريق تحليلها في مخبر أمراض النحل في وزارة الزراعة.
إضافة إلى ضرورة استخدام المواد العضوية في المكافحة، وتوعية النحالين بمخاطر استخدام حبوب الطلع المهربة ومبيدات الفاروا غير النظامية، والتوقف عن القطف الجائر للعسل لترك مخزون جيد لخلية النحل وتجنب إجهاد النحل في الشتاء، والتوعية بضرورة الانضمام إلى دورات تدريبية حول الممارسات النحلية الصحيحة، وطرق الوقاية والعلاج من آفات وأمراض النحل.