واصلت أسعار النفط الخام قفزاتها السعرية، إذ يحوم خام “برنت” حول مستوى 120 دولاراً للبرميل بفعل تصاعد المخاوف من تعطل الإمدادات جراء الحرب الروسية- الأوكرانية، ونقص المعروض العالمي نتيجة تشديد الغرب العقوبات ضد موسكو.وتلقت أسعار الخام دعماً إيجابياً من صدور تقرير المخزونات الأميركية التي أظهرت هبوطاً مفاجئاً في مخزونات أكبر مستهلك للنفط في العالم إلى جانب قرار تحالف “أوبك+” بتثبيت الإنتاج.وبحلول الساعة 7:42 صباحاً بتوقيت غرينتش، ارتفعت أسعار العقود الآجلة لخام “برنت”- تسليم مايو (أيار)- 2022 بنسبة 5.6 في المئة أو 6.29 دولار لتصل إلى 119.3 دولار، وهو أعلى مستوي منذ عام 2012، بعدما ربحت 7.6 في المئة في جلسة الأربعاء الثاني من مارس (آذار).
وزادت أسعار العقود الآجلة لخام “غرب تكساس الوسيط”- تسليم أبريل (نيسان)- بنسبة 4.98 في المئة أو 5.51 دولار لتصل إلى 116.11 دولار، وهو أعلى إغلاق منذ مايو 2011، بعدما ارتفعت بنحو 7 في المئة في الجلسة السابقة.
وقرر تحالف “أوبك+” في اجتماعه، الأربعاء، تثبيت سياسته الإنتاجية بزيادة 400 ألف برميل يومياً خلال أبريل المقبل. ويأتي التزام “أوبك+” الذي تقوده السعودية وروسيا سياسة الإنتاج الحالية ضمن خطة الزيادة التدريجية التي أقرها التحالف بزيادة شهرية بالمقدار ذاته منذ أغسطس (آب) 2021 في إطار الرجوع عن تخفيضات الإنتاج التي تقررت بسبب انخفاض الطلب بفعل جائحة كورونا.
ومن المقرر عقد الاجتماع الجديد رقم 27 لوزراء التحالف الذي ينتج أكثر من 40 في المئة من المعروض العالمي في 31 مارس الحالي، لمناقشة السياسة الإنتاجية في مايو 2022. وذكر التحالف، في بيان أصدره عقب الاجتماع، أن الأساسيات الحالية لسوق النفط والإجماع على توقعاتها تشير إلى سوق متوازنة بشكل جيد، مشدداً على أن التقلبات الحالية لا تنتج من التغيرات في أساسيات السوق، ولكن بسبب التطورات الجيوسياسية الحالية. وأكد التحالف الأهمية الحاسمة للامتثال الكامل وآلية التعويض والاستفادة من تمديد فترة التعويض حتى نهاية يونيو (حزيران) 2022.
العقوبات ضد روسيا
وجاء الارتفاع القياسي بعد تعاظم المخاوف على إمدادات النفط بسبب استمرار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والعقوبات المتصاعدة من الغرب التي تنهال على موسكو بسبب ذلك. ولا تزال العقوبات الغربية تثير مخاوف من توقف الصادرات الروسية من النفط والغاز. الأمر الذي ينعكس ارتفاعاً في الأسعار. وتقدر صادرات روسيا من النفط بنحو من 4 إلى 5 ملايين برميل يومياً، إضافة إلى 2 إلى 3 ملايين برميل أخرى من المنتجات المكررة. وتعد الصين والاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية إضافة إلى الهند واليابان أكبر المشترين الرئيسيين للنفط الروسي. ويعمل الغرب حالياً لبحث سبل تعويض نقص الإمدادات الروسية.
أميركا تبحث خفض استهلاكها من النفط الروسي
وفي السياق ذاته، أعلن البيت الأبيض عن احتمال استهداف قطاع النفط والغاز في روسيا بعقوبات مشددة. وقال داليب سينغ، نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، إن إدارة الرئيس جو بايدن تبحث سبل تقليل استهلاك الولايات المتحدة النفط الروسي لمعاقبة موسكو على غزوها لأوكرانيا، بحسب وكالة “رويترز”. وأضاف سينغ، في مقابلة مع شبكة “سي. أن. أن”، الأربعاء، “نبحث سبلاً لخفض استهلاك الولايات المتحدة النفط الروسي مع الحفاظ على إمدادات الطاقة العالمية”.
الصين تعطي أولوية لأمن الإمدادات
أصدر كبار المسؤولين الحكوميين في الصين أوامر لإعطاء الأولوية لأمن إمدادات الطاقة والسلع، التي أثارتها مخاوف بشأن الاضطرابات الناجمة عن الحرب الأوكرانية – الروسية.
وبحسب وكالة “بلومبيرغ”، صدرت أوامر للوكالات الحكومية، بما في ذلك أعلى هيئة للتخطيط الاقتصادي في الصين اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، بدفع المشترين التابعين للدولة إلى البحث في الأسواق عن المواد بما في ذلك النفط والغاز وخام الحديد والشعير والذرة، لسد أي فجوات محتملة بسبب الصراع. وأشارت المصادر إلى أن تكلفة الواردات ليست محط تركيز الآن.
وقالت المصادر، إن ضمان الإمدادات يمثل أولوية قصوى للبلاد، إذ يشعر المسؤولون بالقلق من تأثير ارتفاع التكاليف العالمية للسلع على الاقتصاد الصيني. وتكثف بكين تركيزها على الطاقة والأمن الغذائي بعدما شعرت بضغوط الوباء وسلسلة التوريد والجغرافيا السياسية مثل الخلاف الدبلوماسي مع أستراليا.
انخفاض المخزونات الأميركية
سجلت مخزونات النفط في الولايات المتحدة انخفاضاً مفاجئاً، خلال الأسبوع الماضي، وتراجعت مخزونات البنزين والمقطرات.وأظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن مخزونات النفط الخام تراجعت 2.6 مليون برميل، خلال الأسبوع المنتهي في 25 فبراير (شباط) الماضي، إلى 413.4 مليون برميل، في الأسبوع الماضي، على عكس التوقعات التي أشارت إلى ارتفاع المخزونات بمقدار 2.3 مليون برميل. وانخفضت مخزونات البنزين الأميركية بمقدار 500 ألف برميل، في الأسبوع الماضي، فيما هبط مخزون المقطرات 600 ألف برميل في الفترة نفسها. وكان معهد البترول الأميركي أعلن، في بيانات أولية غير رسمية، الثلاثاء، عن انخفاض مخزون النفط في البلاد بنحو 6.1 مليون برميل، في الأسبوع الماضي.
علاوة المخاطر
ويشرح المحلل الاقتصادي تاماس فارغاس في شركة” PVM ” للنفط، “أن ارتفاع أسعار النفط الذي يمكن تفسيره بالحرب في أوكرانيا و”علاوة المخاطر” على العرض النفطي المقبل من روسيا، تفاقم “بسبب حالة عدم اليقين والتعديل في عمليات المضاربة”. ويضيف فارغاس، “توجد مخاوف مشروعة من حصول شح في الإمدادات نتيجة الأزمة في أوكرانيا، ولأن كلاً من المحتل والطرف الواقع تحت الاحتلال، يلعبان دوراً أساسياً في سوق الطاقة العالمية”. فروسيا هي ثاني مصدر للنفط الخام في العالم. ويشرح المحلل، “في حين لم تصل العقوبات الغربية إلى حد منع الصادرات الروسية، إلا أن عرض الخام والمواد النفطية من روسيا قد تضرر كثيراً”، لا سيما “بسبب أن العقوبات المالية تجعل مستحيلاً القيام بعمليات شراء نفط مع روسيا”.
عقوبات مقبلة
وتعتبر المحللة الاقتصادية إيبيك أوزكارديزكايا من مصرف “Swissquote” أنه رغم ذلك فإن الشركات الغربية بادرت بنفسها بالتوقف عن شراء النفط الروسي، و”تفضل البحث عن حلول أخرى لأن خطر فرض عقوبات يرتفع توازياً مع ارتفاع حدة الحرب في أوكرانيا”. وتوضح أن “سحب الاستثمارات” و”الحد من الاعتماد على النفط الروسي” يسهلان على الغرب فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، “في حال لم تردع العقوبات الروسية الهجوم الروسي”. وترى فيكتوريا سكولار المحللة في شركة “إنتراكتيف إنفستو” للخدمات المالية، “أن الهجوم ضد أوكرانيا أظهر مدى اعتماد الغرب على روسيا في مجال الطاقة والمواد الأولية”.
كذلك، فإن أسعار الموارد الأخرى التي تعد روسيا منتجاً مهماً لها، قد قفزت كذلك. وبلغ سعر طن من مادة الألومنيوم 3691,50 دولار في سوق لندن للمعادن الأساسية (London Metal Exchange, LME)، وهو سقف غير مسبوق، في حين بلغ سعر طن النيكل 27 ألفاً و815 دولاراً، الأعلى منذ 11 عاماً.
وفي عام 2021، كانت روسيا المنتج الثالث في العالم للألومنيوم بعد الصين والهند، بحسب بيانات المكتب العالمي للإحصاءات الخاصة بالمعادن، وهي تصدر كمية كبيرة من إنتاجها إلى تركيا واليابان والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما أنها منتج كبير للنيكل على غرار إندونيسيا.