في كتابها “نساء يركضن مع الذئاب” جمعت الكاتبة والمحللة النفسية اللاتينية كلاريسا بينكولا مئات القصص والحكايات والأساطير عن المرأة، لاعتقادها بأن هذا التراث السردي هو وسيلتها الوحيدة الباقية كي تعرف من هي؟ في هذا الكتاب تفترض بينكولا أن ثمة تشابهاً بين الذئبة القوية والمرأة القوية في خصائص نفسية واحدة. فالمرأة والذئبة بطبيعتهما كما تقول، متشابهتان، فكلتاهما فضوليتان تتمتعان بقدر عظيم من الإخلاص والتفاني والإدراك الداخلي والمشاعر العميقة تجاه صغارهما وعُصبتيهما. وكذلك تتوافر لهما خبرة التكيف مع الظروف المتغيرة والشجاعة الفائقة والثبات بقوة على المواقف. تقول بينكولا: “إننا جميعاً نفيض شوقاً وحنيناً إلى الحياة الوحشية، بيد أن ترياق الحضارة لا يترك لهذا الحنين منفذاً. تعلمنا أن نشعر بالخجل من هذه الرغبة، غير أن ظل المرأة الوحشية، مازال ينسل خلفنا، ويكمن فى أيامنا وليالينا”.
استلهاماً للأفكار التي احتوى عليها كتاب كلاريسا بينكولا تخوض خمس فنانات معاصرات تجربة تصويرية ملهمة للكشف عن هذه السمات الأنثوية الفطرية التي تحدثت عنها الكاتبة، عبر تقديم معادل بصري لهذه الأفكار التي احتوى عليها كتابها الشهير. عرضت هذه الأعمال أخيراً في غاليري “لوري شابيبي” في دبي تحت العنوان نفسه الذي يحمله الكتاب.
أساطير متعددة
تستخدم بينكولا في كتابها أساطير متعددة الثقافات وحكايات خرافية كحفريات نفسية بالغة القدم، للوصول إلى ما تشير إليه على أنه أطلال الوعي الأنثوي. وبالمثل سعت الفنانات الخمس المشاركات في هذا المعرض إلى الوصول إلى ذاكرتهن وخبراتهن الواعية وغير الواعية، للتعبير عن تجاربهن المعاصرة. تستكشف هذه الأعمال التي قدمتها الفنانات الخمس الأساطير والهوية اعتماداً على التصوير باعتباره الممارسة الأساسية لتجاربهن.
بين المشاركات في هذا المعرض تأتي الفنانة الإسبانية ناتاليا غونزالس مارتن، التي تقدم مجموعة من الأعمال ذات المساحات الصغيرة. في هذه الأعمال تستخدم مارتن تقنيات الرسم التقليدية للتعبير عن أفكارها. وهي تستلهم في صوغ هذه الأعمال هيئة الأيقونات الدينية المسيحية والمخطوطات القديمة. في هذه المساحات الصغيرة التي قدمتها مارتن نلمح أجساداً لنساء مرسومة بدقة متعمدة تظهر مفاتنهن وتفاصيل أجسادهن. هي تختلق هنا أيقوناتها الخاصة والمعاصرة، على وقع ما تشعر به كفنانة تعيش حاضراً مليئاً بالتطورات والتناقضات.
ومن الهند تستحضر الفنانة شايلي مهتا تصوراتها الشخصية للأساطير الهندية القديمة. في أعمالها المرسومة بخامة الألوان الزيتية على القماش توظف مهتا الجسد الأنثوي كعنصر رئيسي في سبيل استكشافها للطبيعة الأنثوية. الأعمال التي قدمتها الفنانة الهندية تتسم بالشاعرية المفرطة في تشكيل المشهد، بحيث تمتزج عناصر كثيرة بعضها مع بعضها، وتحطم الحدود بين الخيالي والواقعي، مما أضفى على نسائها مظهراً جامحاً ينعكس على عيون النساء المرسومات، هذه العيون الشاخصة والمليئة بالتحدي والرغبة والرفض أو التأمل.
الهوية الأفريقية
وفي أعمالها المشاركة احتفت الفنانة البريطانية سولا أولولود بأصولها النيجيرية عبر استلهامها للثقافة والهوية الأفريقية في صياغات يخيم عليها الرمز. الألوان التي تستخدمها الفنانة أولولود هنا، مستلهمة كذلك من تلك الثقافة التي تمثلها، فهي توظف الصبغات النيلية والشمع والزيوت في معالجات أحادية اللون: زرقاء أو خضراء، كما تعطي أهمية للحركة والإيماءات والمشاعر الرومانسية.
ومن الفيلبين تقدم المصورة الفوتوغرافية واوي نافاروزا مجموعة من أعمالها التي توظف خلالها الصورة الفوتوغرافية في سياقات فنية. في هذه المشاهد التي تتعمد الفنانة تشكيلها على نحو ذي طابع مسرحي، تبدو شخوصها نابضة بالحياة. هي تعيد بناء المشهد فتضيف وتحذف لتكتشف نفسها في النهاية بين طبقات من العناصر المتباينة الألوان. تشير هذه الصور الذاتية التي تشكلها نافاروزا لنفسها، إلى السمات المشتركة بين النساء على اختلاف التاريخ والجغرافيا، فهي تضفي على المشهد الفوتوغرافي بعداً أسطورياً مستلهماً من الأعمال الفنية الكلاسيكية التي تناولت المرأة في الحضارات الإنسانية.
أما الفنانة الإسبانية سيليا أباريكيو فتستلهم أعمالها من الأساطير القديمة والأشكال الهجينة التي تمزج بين الحيوانات والبشر، مثل أبي الهول وأنوبيس في الحضارة المصرية القديمة، أو كامازوتس إله الموت في حضارة المايا. في هذه الأعمال المصنوعة من قطع القماش والملونة بالأصباغ والأحبار، تبتكر الفنانة عناصر مستوحاة من الشكل البشري وتمزج بينها وبين هيئة الأشجار والنباتات، وهي سمة أسطورية تميزت بها حضارات السكان الأصليين لأميركا الشمالية.