انتقد علماء في المملكة المتحدة القرار المفاجئ الذي اتخذه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والقاضي بإنهاء جميع القيود المحلية المتعلقة بمواجهة عدوى”كوفيد-19″ في إنجلترا، قبل شهر من الموعد الأصلي، ووصفوا قراره بأنه “إما شجاع للغاية أو شديد الغباء”.
وكان رئيس الوزراء البريطاني قد أبلغ أعضاء البرلمان يوم الأربعاء الماضي، بأن الشرط القانوني للعزل الذاتي يمكن إلغاؤه مع حلول نهاية الشهر الجاري، بدلاً من الانتظار حتى نهاية مارس (آذار)، كما كان مقرراً في الأساس.
غير أن المجتمع العلمي لم ينظر إلى هذه الخطوة بعين الرضى، خصوصاً مع الارتفاع المتجدد لحالات الإصابة بفيروس “كورونا” في البلاد.
وقد وجه الاتهام إلى جونسون بأنه “يتعاطى بطريقة متهورة وغير مسؤولة مع صحة الناس”، وبأنه يسعى إلى استرضاء نواب حزب “المحافظين” الذين يطغى عليهم التذمر نتيجة استمرار تداعيات فضيحة “بارتي غيت” (إقامة حفلات في مقر رئاسة الوزراء في عز فترة الإغلاق).
وأشار ويس ستريتينغ وزير الصحة في حكومة الظل “العمالية”، إلى أن الإعلان في بداية جلسة “طرح الأسئلة على رئيس الوزراء” Prime Minister’s Questions (PMQ’s) “صمم لإخراج (رئيس الحكومة) من ورطة سياسية، في ظل غياب خطة لدعم هذه الخطوة”. فإضافة إلى إنهاء المطلب القانوني بوجوب اعتماد العزل، سيتم إلغاء الصلاحيات القانونية للمجالس المحلية المتعلقة بإقفال المنشآت المرتبطة بتفشي الوباء. واستبعد متحدث رسمي باسم رئيس الحكومة أن تطرأ أي تغييرات على قيود السفر الدولي، فيما سيستمر تأمين معدات الاختبار مجاناً.
أحد أعضاء “الفريق الاستشاري العلمي للطوارئ” Sage التابع للحكومة، لفت إلى أنه لم تتم الإشارة إلى احتمال رفع قواعد العزل الذاتي خلال الاجتماع الأخير. ورأى مستشار علمي آخر للحكومة البريطانية أن إعلان رئيس الوزراء “لا يبدو حذراً بما فيه الكفاية”، معرباً عن “قلق بالغ من الارتفاع الكبير لعدد حالات الإصابة بالفيروس”.
الدكتور سايمون كلارك الأستاذ المساعد في علم الأحياء الدقيقة الخلوية في “جامعة ريدينغ”، وصف هذه الخطوة بأنها “تجربة ستظهر إما أنها شجاعة للغاية أو شديدة الغباء – لكن أحداً لا يعرف على وجه اليقين ماذا ستكون نتيجتها”.
أما التوجيه المتعلق بوجوب التزام مقر السكن بعد صدور نتيجة اختبار إيجابية لجهة الإصابة بعدوى “كوفيد، فسيظل قائماً كما هي الحال مع أي مرض مُعدٍ آخر – لكنه لن يكون موضع فرض بقوة القانون. وقد امتنع مقر رئاسة الوزراء في “10 داونينغ ستريت” عن توضيح ما إذا كان سيتم سحب مبلغ 500 جنيه استرليني (680 دولاراً أميركياً) المخصص لدعم الأفراد الذين يعزلون أنفسهم.
وكان بوريس جونسون قد قال إنه “إذا ما استمرت اتجاهات البيانات الراهنة المشجعة، فأتوقع أن نكون قادرين على إنهاء القيود المحلية الأخيرة قبل شهر كامل من الموعد المحدد، بما فيها المتطلبات القانونية للعزل الذاتي، إذا ما كانت نتيجة الاختبار إيجابية”.
ووعد بتقديم استراتيجية الحكومة “التعايش مع كوفيد” Living With Covid للبرلمان، عندما يعود مجلس العموم من العطلة البرلمانية في الحادي والعشرين من فبراير (شباط). وقال مساعدون لرئيس الوزراء إن من المتوقع رفع القيود المتبقية بحلول الرابع والعشرين من فبراير (شباط) على أبعد تقدير.
الإعلان المفاجئ عن سياسة الحكومة جاء في وقت أظهرت فيه أرقام جديدة من “المكتب الوطني للإحصاءات” OSN أن مستويات الإصابة بالعدوى قد ارتفعت في معظم أنحاء المملكة المتحدة، باستثناء ويلز التي سجلت وحدها انخفاضاً واضحاً على أساس أسبوعي.
وفي إنجلترا، قدر أن فرداً من كل 19 شخصاً أصيب بالفيروس في الأسبوع المنتهي بالخامس من فبراير، أي ما يعادل مليونين و800 ألف شخص، ما يشكل ارتفاعاً عن واحد من كل 20 شخصاً في الأسبوع السابق. ومع ذلك، وصف “المكتب الوطني للإحصاءات” هذا الاتجاه بأنه “غير مؤكد”.
بول هانتر، أستاذ الطب في “جامعة إيست أنغليا”، قال إنه “لم يكن يتوقع بالتأكيد” أن تتخلى الحكومة عن توجيهاتها بالعزل الذاتي هذا الشهر.
لكنه رأى أن هناك “أسباباً تدعو إلى التفاؤل” في البيانات الراهنة، مشيراً إلى مثل تراجع حالات الإصابة بين الأطفال، وانخفاض معدلات الدخول إلى المستشفيات، لكنه أعرب عن قلقه على الأشخاص المعرضين للخطر سريرياً. وقال إن “هناك حاجة إلى تطبيق إجراءات صارمة لضمان التشخيص المبكر للعدوى في هذه الفئة، وتقديم الأدوية المضادة للفيروسات في غضون ساعات من ظهور أي نتيجة إيجابية لجهة الإصابة بالعدوى.
البروفيسور بيتر أوبينشو، العضو في ” الفريق الاستشاري للمخاطر الجديدة والناشئة لفيروس الجهاز التنفسي” New and Emerging Respiratory Virus Threats Advisory Group (Nervtag)، وهو لجنة فرعية منبثقة من “الفريق الاستشاري العلمي للطوارئ”، رأى في حديث مع إذاعة “بي بي سي راديو 4” أنه “سيكون من الخطأ تماماً القول إن الوباء قد انتهى بأي شكل من الأشكال”، وأشار إلى أن الناس “ربما قد تعودوا” على ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس والوفيات في البلاد.
وقد تم الإبلاغ يوم الأربعاء عن 68,214 حالة إصابة جديدة بالعدوى، في مقابل 276 حالة وفاة أخرى، و1,196 حالة دخول إلى المستشفيات.
وأضاف البروفيسور أوبينشو: “أعتقد أننا جميعاً نتطلع حقاً إلى اليوم الذي نكون فيه قادرين على العودة إلى نوع من الحياة الطبيعية، وندرك أن أعراض متحورة (أوميكرون) معتدلة بشكل عام لدى الأشخاص الذين لديهم مناعة، ومعظم البالغين كونوا مناعة الآن، إما بسبب التطعيم، أو نتيجة الإصابة بالفيروس، أو كلاهما معاً. لذا، نحن سائرون في الاتجاه الصحيح، لكن القرار الذي اتخذ لا يبدو شديد الحذر”.
تجدر الإشارة إلى أنه بموجب القواعد الراهنة لمواجهة “كوفيد”، يطلب من الأفراد الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس، عزل أنفسهم لمدة 5 أيام على الأقل تحت طائلة فرض غرامات كبيرة عليهم في حال عدم الامتثال.
لكن مع ذلك، فقد أوقف في شهر يناير (كانون الثاني) تطبيق القواعد التي تفرض على الأفراد وضع الأقنعة في أماكن معينة، كما التوجيه بوجوب العمل من المنزل لاحتواء انتشار الفيروس.
متحدث باسم رئيس الحكومة أوضح أن نشر الخطة سيعتمد على موافقة مجلس الوزراء في اللحظة الأخيرة.
الدكتور جيمس غيل المحاضر الفخري في الطب العيادي في كلية الطب في “جامعة ورويك” قال: “بصراحة لا أرى سبباً يبرر إلغاء هذا القانون، بالتأكيد ليس من منظور المرضى، ولا من منظار الحفاظ على الأعمال أيضاً، لأن متحورة (أوميكرون) هي شديدة العدوى بدرجة عالية جداً”.
ويفترض أن تتخذ الدول المفوضة ضمن المملكة المتحدة قراراتها الخاصة في شأن التحرك في الوقت نفسه مع إنجلترا، وسيسمح لمدن مثل لندن، التي ما زالت تفرض على الأشخاص وضع الأقنعة في وسائل النقل العام، مواصلة القيام بذلك.
وكان جونسون قد أبلغ مجلس العموم بأن الحكومة ستستبدل الإجراءات القانونية بالمشورة والتوجيهات، ملمحاً إلى إمكان “عدم تجديد” قواعد العزل الذاتي بعد انتهاء المدة المحددة لها في الرابع والعشرين من مارس (آذار).
وسيتم حتماً اعتبار خطوة تقديم الموعد شهراً، بمثابة محاولة لحشد مزيد من الدعم له في أوساط النواب “المحافظين”، وقد صدر ترحيب فوري بها من الوزير السابق لـ”بريكست” اللورد ديفيد فروست الذي قال: “إن خطة رئيس الوزراء التي تقضي بإنهاء جميع قيود ’كوفيد‘ المفروضة قبل شهر، هي الخطوة الصحيحة التي يجب القيام بها”.
أما البرلمانية في حزب “الديمقراطيين الأحرار” ليلى موران، رئيسة المجموعة البرلمانية المؤلفة من جميع الأحزاب والمعنية بمواجهة فيروس “كورونا”، فوصفت القرار بأنه “متهور”، وقالت: “إن هذه الحكومة تستعد – تماماً كما فعلت مراراً عدة خلال فترة الوباء – لاتخاذ قرار خطير يرتبط بالصحة العامة لتحقيق مآرب سياسية قصيرة الأجل”.
وختمت بالقول: “يتعين على الحكومة ألا تتصرف بشكل غير مسؤول وتتلاعب بصحة الناس، في محاولة منها لتلبية بعض المطالب السياسية”.