في حلقة من “ذا سمبسونس” The Simpsons عام 2002، يقف رجل مسن ويصرخ على غيمة. اليوم، بعد ذلك بعشرين عاماً، رجل مسن آخر يصرخ على “مارفيل” Marvel، إذ إن فرانسيس فورد كوبولا – الذي وصف نتاجات “مارفيل” للأفلام هذا الأسبوع بأنها “تنميطات مستعادة، مراراً وتكراراً، كي تبدو مختلفة” – بالتأكيد ليس أول نجم من الرعيل السينمائي الأكبر يوجه نقداً لشركة صناعة الأبطال الخارقين (مارتن سكورسيزي ينظر إليكم أيضاً!)، ولن يكون الأخير. فاقتصاد الغضب على الإنترنت يزدهر بفضل هذا، صناع أفلام يعيشون فترة تقاعدهم، فيغدون أشخاصاً يتمتعون بالجرأة الكافية لتوجيه الانتقاد للاستديوهات الشهيرة.
وجاءت انتقادات كوبولا لـ”ماكينة” مارفيل (الإنتاجية) – ولاستديوهات الأفلام التجارية ذات التكاليف المرتفعة عموماً – كي تشير إلى غياب البصمة الخاصة في أعمال تلك الشركة العملاقة، وترفع لواء وجهة نظره القائلة إن ثمة رؤى إخراجية محددة تندثر نتيجة ذلك. عن هذا الأمر قال في حديث مع موقع “جاي كيو” GQ، “إن أراد المرء أن يصنع فناً فليحمل طابعاً شخصياً [خاصاً]. اجعل فنك ذاتياً ويتصل بك إلى أقصى حد”. بيد أن كل شخص استطاع معاينة البصمات الحكائية المتمايزة لأبطال مثاليين مثل ريان فليك، وآنا بودين، وديستن دانييل كريتون، وكلوي زهاو في “كابتن مارفيل” Captain Marvel و”شانغ – تشي” Shang-Chi و”إيتيرنالس” Eternals، يمكنه توجيه رسالة معترضة للسيد كوبولا ليبلغه اعتراضه إذا كان يشعر بخلاف ذلك”.
على أن كوبولا خرج قليلاً عن السياق بزعمه أن فيلمي دينيس فيلونوف، “ديون” Dune، وكاري فوكوناغا “نو تايم تو داي” No Time to Die، قد جاءا متشابهين (إلى حد يمكن لأحدهما الحلول مكان الآخر). وذكر (كوبولا) أن هناك أفلاماً يمكن إخراجها من قبل أي كان، ويمكن “للمشهد ذاته، حيث تتصادم السيارات بعضها ببعض” أن ينتقل من فيلم إلى آخر من دون أن يلاحظ أحد، لكن كوبولا في الحقيقة ربما لم يشاهد “ديون”، العمل المتفرد والمتميز مشهدياً وحكائياً. كما أنه في عمر الـ82 – لم يطلع على الأرجح سوى على عملين اعتباطيين من نتاجات عام 2021 قبل أن يكوّن رأياً.
لكن، على الرغم من ذلك – فإن رأي كوبولا يبقى في محله. خذوا مثلاً المقطع الترويجي الصادر حديثاً لفيلم “جوراسيك وارلد: دومنيون” Jurassic World: Dominion. إن قمتم بواسطة التقنية الرقمية بحذف مشهد الديناصور الذي يطارد كريس بات عبر مدينة أوروبية غير محددة، واستبداله، مثلاً، بمشهد لريان راينولدس على دراجة نارية، فإن قلة من الناس سوف تلاحظ أوجه اختلاف [وتقع عليها]، إذ إن الجماليات، وتتابع مشاهد الحركة، والممثلين، هي أمور اليوم تختلط في حساء [مزيج] مألوف تماماً يشكل محور اهتمام الشركات الكبرى للأفلام التجارية. ففيلم “ريد نوتيس” Red Notice هو صنو “جوراسيك وارلد” Jurassic World، وهو نفسه “أنتشارتد” Uncharted.
من هنا، ليس مثيراً للجدل اعتبار هذه الأفلام متطابقة بهويتها إلى حد محبط، بيد أن كوبولا وأمثاله يبقون إلى الأبد في موقف النائح. وكلما قام، هو أو أي واحد من أمثاله من المؤلفين – سكورسيزي، ديفيد كرونينبيرغ، كين لوش، جاين كامبيون، بونغ جون – هو – إما بانتقاد “مارفيل” علانية، أو بالتعبير عن مواقف متناقضة تماماً تجاهها، فإنهم يواجهون بالسخرية أو التهكم، أو يتهمون باستبطان الحسد التجاري. في هذا السياق وإزاء تعليق سكورسيزي عام 2019 الذي قال فيه، “مارفيل ليست سينما”، تناول مخرج فيلم “غارديانس أوف ذا غالاكسي” Guardians of the Galaxy، جيمس غان، رأي سكورسيزي ذاك، فذكر: “ظل يهاجم مارفيل حتى يتسنى له لفت انتباه الصحافة إلى عمله [الإيرلندي، ذا آيرشمان The Irishman]. فهو كان يبتكر فيلمه في ظل [مارفيل فيلمز]، فاستغل الأمر كي يلفت الأنظار إلى ما لم يكن يحظى بالاهتمام الكافي الذي أراده”.
ووراء كسل ردة الفعل تلك التي عبر عنها غان، فإن مواقف الأخير استندت إلى نسق أفكار محدد، منها الفكرة القائلة: إن منتقدي “مارفيل” هم في الغالب مسنون ولّت أيامهم ويشعرون بالحسد، فلا يستحق كلامهم اهتماماً يذكر. وينبغي القول (وفق ذاك المنطق) إن الأشخاص الذين هم بأعمار متقدمة جداً لا يستحقون منا أن نقوم تلقائياً بالاستماع إلى آرائهم، إذ أنهم قد يتفوهون مثل أي شخص (بعمرهم) بسخافات [لا يعتد بها]، لكن في بيئة سينمائية تقبع تحت سيطرة ديزني على نحو كامل، وتتميز على نحو خاص بأبعاد نوستالجية وتركيبة ذكورية وتجارية غير طموحة، من المهم الاستماع إلى أولئك الذين يرفعون الصوت مهما كان الثمن، ويسألون: “لماذا؟”، إذ في النهاية قلة من النجوم الأصغر عمراً يتمتعون بالجرأة الكافية للقيام بذلك.
ويتخيل المرء أن الحديث عن القحط الإبداعي في هوليوود وعن ماكينة “ديزني” (الإنتاجية) قد يكون أقل هستيرية، إن شارك فيه أشخاص من مختلف الشرائح العمرية، بيد أن الأمر، كما حصل في النزاع الأخير بين “سبوتيفاي” Spotify وجو روغان، يبدو مخيباً من ناحية أن الفنانين المسنين فقط – وكثيرون منهم لا يبالون بالثمن [على قدر الجيل الشاب] – هم المقبلون على الانتقاد والاعتراض أمام الـ”سيستام” الذي يبدو أنه يتمدد وينفلت من كل عقال [فني أو جمالي]. قد يكون كوبولا رجلاً كبيراً ينوح على أمر ما، صحيح، لكن هذا لا يعني أنه يلقي الكلام جزافاً.