سعى وزير الاستثمار السعودي المهندس خالد بن عبد العزيز الفالح خلال زيارته العاصمة البريطانية لندن، إلى التأكيد على أن “المجال مفتوح أمام الشركات البريطانية للاستثمار في السعودية في قطاعات البتروكيماويات والصحة والتعليم والخدمات المالية والتقنية“، مبيناً أن “أكثر من 600 شركة بريطانية تعمل في السعودية، وهناك فرص استثمارية نوعية وضخمة غير مسبوقة تُقدّم للمستثمرين من الداخل والخارج”.
وأكد الوزير السعودي خلال لقاء مع “اندبندنت عربية” في لندن على أن “هذه الزيارة تشكل امتداداً للشراكة الاستراتيجية السعودية – البريطانية التي أُعلن عنها خلال زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى المملكة المتحدة في عام 2018″. وتابع قائلاً إنه “تم حينها تأسيس مجلس الشراكة الاستراتيجية بين البلدين ويتفرع منه لجنة اقتصادية لمتابعة خطط ومبادرات الاستثمارات المشتركة”.
وأوضح أن “هذه اللجنة تعمل بشكل مؤسسي مع كل القطاعات العامة والخاصة وتعمل على زيادة الاستثمار المتبادل بين البلدين، حيث أن الشركات البريطانية تستثمر بوتيرة قوية في السوق السعودية”.
البدايات واعدة
وقال الفالح إن “البدايات كانت واعدة ومعدلات الاستثمار ستكون أكثر انتشاراً في المستقبل”.
ولدى سؤاله حول التحديات التي فرضتها جائحة كورونا على جذب الاستثمارات، أجاب “بلا شك إن نتائج الجائحة قد تأثر العالم بها وهناك تحديات، إلا أن ذلك دفعنا لاستغلال هذه المرحلة في التحول نحو التقنية بكل أنواعها وهي فرصة سانحة للقطاع الطبي في هذا التحول”.
أما بشأن أهمية ما تمر به السعودية من تحول اقتصادي نحو القطاعات الخضراء والنظيفة، فقال إن “النفط له قيمة أساسية في الطاقة والصناعة ونعمل من خلال مبادرة الاقتصاد الدائري الكربوني التي أطلقتها السعودية خلال رئاستها مجموعة العشرين العام الماضي”. وتطرق إلى تركيز السعودية على “الهيدروجين” والطاقة المتجددة، مؤكداً أن “السعودية تسعى إلى شرق أوسط أخضر عبر تمكين الطاقة النظيفة وزراعة 50 مليار شجرة”.
وصرح الوزير السعودي أن “قطاع البتروكماويات هو من القطاعات الأساسية الجاذبة للاستثمار فيها، والسعودية باتت رائدة في هذا القطاع، لا سيما من خلال شركة سابك التي أصبحت رائدة في هذا المجال وفي مقدمته عالمياً ولديها استثمارات كبيرة في المملكة المتحدة”، مضيفاً أن “نقاشاً يجري مع شركة إنيوس بشأن مشروع في الجبيل لانتاج النيترايلز بحجم استثمار ملياري دولار”. ويُستخدم النيترايلز كمادة أساسية في صناعات متقدمة كألياف الكربون، ويدخل في العديد من الصناعات ومنها صناعة السيارات.
باب الاستثمار مفتوح
كذلك أكد الفالح أن “باب الاستثمار مفتوح أيضاً في قطاع صناعة السيارات والخدمات المالية وهو قطاع من دون سقف، حيث قطعت الشركات شوطاً طويلاً في هذا المجال”، مشدداً على أن “التقنية المالية باتت أساسية في أي مجال اقتصادي”.
وذكر أن “لا سقف لطموح السعودية للوصول إلى المركزية المالية للسوق العالمية”. وكشف عن “لقاء جرى مع بنك أتش أس بي سي، وهو أحد أكبر البنوك الاستثمارية في المنطقة، وتم التفاهم مع المسؤولين فيه على نقل التجربة البريطانية إلى المملكة”.
ولفت وزير الاستثمار إلى أن “الرياض ستصبح مركزاً مالياً عالمياً، في وقت نتطلع فيه لتعزيز التقنية والاهتمام بابتكار الشركات”.
القطاع الصحي والتحديات
على صعيد آخر، أوضح الفالح أن “القطاع الصحي في عصر الجائحة بات محتاجاً إلى تقنيات أكثر قدرة وكفاءة”. وتطرق إلى لقاء جرى مع شركة “استرازينيكا” وهي إحدى الشركات الموجودة والمستثمِرة داخل السعودية منذ ما قبل جائحة كورونا، وتملك شراكات مع شركات محلية وتجري تجارب سريرية عبر 13 مشروعاً.
قطاع التعليم
وبيّن وزير الاستثمار السعودي أن “قطاع التعليم والموارد البشرية لا يزال يحظى باهتمام خاص من القيادة العليا، التي تهتم كثيراً بتطوير الكفاءات البشرية ورعايتها”، مشيراً إلى أنه تم الاتفاق مع كلية “كينغ كوليدج” على شراكة أوسع.
وأشار إلى أنه بحث عدداً من الاتفاقيات الاستثمارية ومذكرات التفاهم “التي سيتم الإعلان عنها في وقت قريب جداً.”
تحديات الاستثمار والجائحة
وحول تأثير الجائحة على جذب الاستثمارات إلى السوق السعودية، قال المهندس الفالح إنه “كان لجائحة كورونا، بكل تأكيد، أثرها في قطاع الاستثمار، حيث تسببت بخفض الاستثمار الأجنبي بنسبة 35 في المئة على مستوى العالم، كما انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للاقتصادات المتقدمة في عام 2020 بنسبة 58 في المئة وعلى الرغم من ذلك شهد الاستثمار الأجنبي في السعودية صافي تدفقات مباشرة خلال عام 2020 نمواً بحوالي 20 في المئة على أساس سنوي، وأن الطموح تصاعدي في جذب المزيد من رؤوس الأموال”.
مسيرة الاستثمار
ورأى الفالح أن “مسيرة الاستثمار الحقيقية في السعودية لم تبدأ بعد، ونُعدّ لمرحلة جديدة، خصوصاً مع الدور الفاعل الذي يؤديه صندوق الاستثمارات العامة والشركات الكبرى”، مبدياً ثقته بأن “معدل الاستثمار سيكون مختلفاً مع نهاية العام الحالي والأعوام المقبلة”.
وحول توطين قطاع التقنية في السعودية، اعتبر الوزير الفالح أن “التقنية أداة مهمة في تعزيز التنافسية العالمية في أي قطاع، وما تؤكده رؤية المملكة 2030 هو أن التقنية وريادة الأعمال تعتمد أيضاً في نجاحها على الجرأة والابتكار”.
وكشف عن أن “السعودية بدأت بالفعل بدعم وتمويل المبتكرين والمطورين في قطاع الأعمال، وتحويل أفكارهم إلى مشروعاتٍ استثمارية، خصوصاً ما يتعلق منها بالجيل السعودي الشاب والطموح”. وقال إن “هذا الطموح أسهم في تيسير دخول شركة عالمية مثل “أبل” لتكون مستثمراً رئيساً في المملكة، التي تعمل مع شركات عالمية أخرى، رائدة في التقنية، على تعزيز وجودها في السعودية”.
لقاءات موسعة في لندن
وكان الفالح أجرى سلسلة لقاءات مع مسؤولين في القطاعين الحكومي والخاص في بريطانيا، ومع رؤساء عدد من الشركات البريطانية الكبرى، في قطاعاتٍ مختلفةٍ كالخدمات المالية، والرعاية الصحية، والتعليم، وصناعة المواد الكيماوية، والفندقية والضيافة، وتصنيع السلع الاستهلاكية وغيرها.
وقال الوزير السعودي في معرض تعليقه على هذه الزيارة، إن “رؤية المملكة 2030 هي خطة تنموية طموحة وجريئة، ونحن حريصون على أن يكون أصدقاؤنا في المملكة المتحدة مُطّلعين، اطلاعاً تاماً، على الفرص الهائلة المتاحة، وعلى التطورات الكبرى التي شهدتها البيئة الاستثمارية في السعودية لأننا نرغب في أن تتواصل شراكتهم معنا في الوقت الذي نبني فيه هذه المرحلة الاستثمارية الواعدة من مسيرتنا التنموية الوطنية”.
يُذكر أن هذه الزيارة تأتي لتعزيز قاعدة العلاقات الاقتصادية والاستثمارية المتبادلة، والاستفادة من الخبرات البريطانية في القطاع المالي، ونماذج التمويل الأخضر، وبحث فرص وإمكانات تطوير المكونات الرئيسة لسلاسل الإمداد في قطاعات الصحة والبيولوجيا، والتقنيات المتقدمة، والتعليم، وتطوير الموارد البشرية، وجذب المؤسسات والبرامج التعليمية البريطانية إلى السعودية.
وتهدف الزيارة، بحسب ما ذكره الوزير السعودي، إلى “تعريف المسؤولين والقياديين التنفيذيين في بريطانيا، بإنجازات رؤية 2030، وما تحقق من إصلاحات تشريعية وبرامج تنفيذية، وما تُقدّمه الرؤية من حوافز ودعم للاستثمار في السعودية، واستعراض ما شهدته البيئة الاستثمارية من تطورات تُعزز جاذبيتها للمستثمرين، وتزيد من تنافسيتها وسهولة ممارسة الأعمال فيها، وكذلك استعراض الفرص الاستثمارية الضخمة المتوافرة في البلاد”.