في الوقت الذي ينهي فيه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون العمل بما تبقى من قيود مواجهة عدوى كورونا في إنجلترا، أطلقت جمعيات خيرية صرخة تحذير من أن أكثر من نصف مليون شخص يعانون اضطرابات تهدد أجهزتهم المناعية، يواجهون خطر أن يصبحوا “ضحايا منسيين للوباء”.
وقد قدمت مجموعة من 18 جمعية خيرية بريطانية مطالب إلى الحكومة، هدفها التأكد من أن خطة السيد جونسون المقبلة لإنجلترا التي وضع لها عنوان “التعايش مع كوفيد”، لن تتجاهل الأشخاص الذين يعانون حالات كالسرطان أو التصلب المتعدد أو أمراض الكلى أو الربو، باعتبار أنهم عرضة بشكل خاص لخطر الإصابة بالفيروس.
وكذلك جرى اتهام رئيس الوزراء أيضاً “بإلقاء الأشخاص المعرضين للخطر في فم الذئب”، من خلال خطط إلغاء اختبارات “كوفيد” المجانية، وإنهاء العزل الإلزامي للأشخاص الذين يصابون بالفيروس.
وقد أكد جونسون أن الخطة سترفع اعتباراً من الأسبوع المقبل، الشرط القانوني للعزل الذاتي على من تأتي نتيجة اختباراتهم إيجابية لجهة الإصابة بالعدوى، قبل شهر من الموعد الذي تقرر في وقت سابق. ولم تشرح الحكومة بعد الأساس العلمي لهذا القرار، أو كيف ستجري حماية الأفراد الذين يعانون وهناً في جهاز المناعة لديهم، بهدف المحافظة على سلامتهم.
ومن المتوقع كذلك أن تتضمن خطة الحكومة البريطانية جدولاً زمنياً لإنهاء الاختبارات المجانية الشاملة لفيروس كورونا، ودعم بنحو 500 جنيه استرليني (675 دولاراً أميركياً) لمن يجبر على البقاء في منازلهم أثناء العزل.
وبالتالي، أثار إعلان رئيس الوزراء مخاوف من تعرض مزيد من الناس للإصابة بالعدوى، لا سيما في المتاجر وأماكن العمل ووسائل النقل العام، إذ لا تظهر على كثيرين من هؤلاء أعراض المرض، لكنهم يشكلون خطر نقل العدوى إلى الذين يلتقون بهم.
في ذلك الصدد، ذكرت المتحدثة في الشؤون الصحية لدى حزب “الديمقراطيين الأحرار” ديزي كوبر، أنه “يجري إلقاء الأشخاص الضعفاء مرة أخرى في فم الذئب، من قبل (المحافظين)، بحيث إن الدفع الكبير الذي يقومون به في اتجاه التخلي عن جميع الاحتياطات في وجه العدوى، يجعل كثيرين يعيشون في حال من الخوف والعزلة”.
وأضافت كوبر، “تنص نصيحة الحكومة المتعلقة بالأشخاص الضعفاء، على وجوب أن يكون الأفراد الذين يجتمعون بهم قد أجروا اختباراً مسبقاً [عن وجود الفيروس لديهم]، وضرورة تجنبهم [من يعانون نقصاً في المناعة] التوجه إلى الأماكن المزدحمة تفادياً لالتقاط العدوى. ويعني ذلك أنه يتوجب على كثيرين مواصلة حماية أنفسهم، لكنهم لن يحصلوا في المقابل على أي دعم إضافي كي يفعلوا بذلك”.
وتخوفت كوبر من أن “يسهم وضع حد لإمكانية الوصول إلى اختبارات كوفيد المجانية، في زيادة عزل هؤلاء الأشخاص، وحرمانهم من طريقة رئيسة تمكنهم من حماية أنفسهم”. ودعت إلى وجوب “أن تظل اختبارات كوفيد متاحة مجاناً للجميع”، معتبرة أنه يتعين على الحكومة “الاعتناء بملايين الأشخاص ممن ما زالوا في خطر متزايد، ومنحهم دعماً أكبر”.
في سياق متصل، انتقدت سارا هيمينغز، أم لطفلين ومعلمة تبلغ من العمر 34 سنة من “نورويتش”، وتعاني مرض التصلب العصبي المتعدد، انتقدت خطوة الحكومة، مشيرة إلى أنها قررت في ما يبدو جعل الفئات الأكثر ضعفاً “تتعلم كيف تتعايش مع التداعيات الحقيقية لفيروس كورونا”.
وأشارت هيمينغز إلى أن القيود السابقة لمواجهة عدوى كوفيد، بما فيها عزل الأفراد الذين ثبتت إصابتهم، سمحت لها بالحفاظ على بعض من التفاعل الاجتماعي مع الآخرين. وأضافت، “أشعر الآن بأنني مقيدة أكثر فيما حريتي أصبحت أقل من أي مرحلة أخرى في حياتي كشخص بالغ. وبدلاً من العودة إلى ممارسة المهنة التي أحبها في التدريس، أجد نفسي أحاذر حتى معانقة طفلتي أثناء عودتها من المدرسة حيث ارتفعت معدلات حالات الإصابة بالفيروس. إن ذلك يجعلني أشعر بغضب، وأنني موضع تجاهل. ويبدو أن الخطر مستمر إلى ما لا نهاية، إذ إن المخاطر لا تتراجع إلا بالنسبة إلى أولئك الذين يتفادونها”.
وفي ذلك الصدد، حددت مؤسسات خيرية بريطانية عدة، بما فيها “جمعية التصلب العصبي المتعدد” MS Society و”مؤسسة سرطان الدم في المملكة المتحدة” Blood Cancer UK، و”مؤسسة العناية بالكلى في المملكة المتحدة” Kidney Care UK، حددت خمسة اختبارات رئيسة رأت أن خطة رئيس الوزراء يجب أن تنجح في اجتيازها، للتأكد من أنها تدعم الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الإصابة بفيروس “كوفيد-19” في البلاد.
وتشمل تلك الاختبارات ضمان وجود طرق تواصل أفضل مع الفئات الأكثر هشاشة، وتمكين أفراد تلك الفئات من الوصول بشكل سهل وفي الوقت المناسب إلى علاجات “كوفيد”، وتحسين حماية العاملين منهم وتقديم الدعم لهم، ووضع خطة لاستخدام العلاجات الوقائية، وتمكين جميع هؤلاء من الوصول مجاناً إلى مجموعات من اختبارات الكشف عن الفيروس.
وكذلك ترى تلك الجمعيات أنه إضافة إلى كون الأشخاص الضعفاء هم أكثر عرضة من عامة الناس للإصابة بمرض خطير إذا ما التقطوا فيروس كورونا، فإن الأفراد الذين يعانون نقصاً شديداً في المناعة، لا يحصلون على المقدار نفسه من الحماية التي توفرها اللقاحات.
واستطراداً، أوضحت هيلين رونتري مديرة الأبحاث في “مؤسسة سرطان الدم في المملكة المتحدة” أنه “طيلة فترة الوباء، تفاقم القلق الهائل الذي يواجهه مجتمعنا بسبب ضعف طرق التواصل الحكومية”.
وبالتالي، طالبت رونتري الحكومة “بتحديد الطريقة التي ستضمن من خلالها ألا يترك الأشخاص الذين يعانون ضعفاً في جهازهم المناعي، ضحايا منسيين للوباء، حينما تعود البلاد إلى حياتها الطبيعية”.
في سياق موازٍ، نبهت مديرة تنسيق السياسات في “مؤسسة رعاية الكلى في المملكة المتحدة”، فيونا لاود، إلى أن خطة رئيس الوزراء تخاطر بجعل الحياة أكثر صعوبة، وزيادة القلق لدى بعض الأفراد الذين عانوا أكثر من غيرهم خلال عامين من الوباء.
وأضافت أنه على الرغم من أن متحورة “أوميكرون” بدت أعراضها أخف من الأنواع السابقة للفيروس، فإنه ما زال هنالك مقدار كبير من القلق بشأن التهديد الذي قد تشكله سلالات أخرى مستقبلية.
وبذا، حذرت لاود من أن “التخلي عن جميع التدابير من دون اعتماد علاجات وقائية، ووقف اختبارات (التدفق الجانبي) المجانية، والتوقف عن واجب عدم تعريض الأشخاص الذين يعانون ضعفاً في مناعتهم لفيروس كورونا، قد يجعلنا كل ذلك مواطنين من درجة ثانية”.
في نفس مماثل، أفادت مديرة تنسيق السياسات في “جمعية التصلب العصبي المتعدد” فريدي كافاندر أتوود، “إننا نحض الحكومة على التوقف عن تجاهل واقع مجتمعاتنا، وندعو رئيس الوزراء إلى أن يبادر إلى معالجة مخاوفها بشكل مباشر وفوري، في الوقت الذي ننتقل فيه إلى هذه المرحلة الجديدة من الوباء“.
وتابعت، “إن هدفنا لا يتمثل في العودة إلى تطبيق القيود الشاملة. إننا نريد ببساطة حماية جميع الأفراد الذين يعانون نقصاً في مناعتهم، ويبلغ عددهم 500 ألف شخص، بمن فيهم بعض المصابين بمرض التصلب المتعدد، مع دعمهم كي يتمكنوا من إدارة مخاطرهم بما يساعدهم على أن يعيشوا حياة طبيعية”.
وخلصت إلى أنه “يتعين أن نكون جميعاً قادرين على التعايش مع كوفيد، وهذا لا يمكن أن يحدث إذا واصلت الحكومة إدارة ظهرها للفئات الأكثر ضعفاً”.
وفي تعليق على ما تقدم، أشار متحدث باسم وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية، إلى أنه “كنا قد أصدرنا إرشادات صحية عامة للأشخاص الذين يعني نظامهم المناعي أنهم معرضون بشكل أكبر لخطر النتائج الجدية لفيروس كوفيد. وما زالت تلك الإرشادات سارية المفعول”.
وأضاف، “ينصح الأفراد الذين جرى اعتبارهم في وقت سابق من وجهة نظر الطب السريري، على أنهم في حال ضعف شديد، باتباع التوجيهات نفسها التي يعتمدها عامة الناس، لكن يجب التفكير في اتخاذ احتياطات إضافية هدفها تقليل خطر إصابتهم بفيروس كورونا”.
وخلص إلى أنه “تبقى اللقاحات الطريقة الأفضل التي يمكن من خلالها حماية أنفسنا من الفيروس، ونشجع جميع المؤهلين لتلقيها على أن يتطعموا بأسرع ما يمكن”.