علمت “اندبندنت” أن الحكومة البريطانية تتّجه نحو إلغاء برنامج لاختبارات فيروس كورونا، يمكنه التعرف بسرعة إلى متحوّراتة الجديدة، في وقت حذر علماء من أن هذه الخطوة قد تجعل المملكة المتحدة عرضة لمزيد من طفرات الفيروس.
فقد كشفت رسالة مسرّبة من “وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة” UK Health Security Agency عن أنه من المقرر إنهاء العمل ببرنامج حكومي يعتمد اختبارات “التضخيم الدائري المتساوي الحرارة” Loop-mediated isothermal amplification (Lamp) [تقنية أحادية الأنبوب تعمل على تضخيم الحمض النووي وفق درجة ثابتة من الحرارة، ما يمكّن من الكشف عن أمراض معينة]، وذلك مع حلول شهر يونيو (حزيران) 2022.
وتتطلب هذه الاختبارات عدداً أكبر من العاملين، لكنها لم تُطرح على نطاق واسع على غرار اختبارات “تفاعل البوليميراز المتسلسل” PCR، إلا أنها استُخدمت في المدارس البريطانية ومستشفيات “خدمات الصحة الوطنية” (أن إتش أس) NHS، وجُرّبت في السجون أيضاً، إذ تستطيع التعرف بسرعة إلى المتحوّرات الجديدة لفيروس “كوفيد- 19” عند الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض المرض.
واستطراداً، لفت مسؤولون في قطاع الرعاية الصحية نظر الحكومة إلى خطورة إجراء “تقليص كبير” في برنامج اختبارات كورونا، معربين عن مخاوفهم من سعيها إلى “توفير المال من جهة، ودعم السردية السياسية القائلة إننا تغلّبنا على فيروس كورونا”.
في غضون ذلك، أوضح علماء أن هذا التحرك الهادف إلى التخلص من برامج الاختبار، يُعتبر “قصير النظر للغاية”، إذ يعني أن المملكة المتحدة لن تكون قادرة على التعامل مع المتحوّرات الجديدة للفيروس بالسرعة اللازمة، وكذلك لن تستطيع تحديد حجم العدوى في الموجات المستقبلية للإصابات، “إلى حين تدفّق المصابين بها على أقسام ’الحوادث والطوارىء‘ في المستشفيات”.
وكذلك علمت “اندبندنت” أيضاً أن هيئة “خدمات الصحة الوطنية” و”وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة”، تتسابقان في الوقت الراهن على “استرجاع” تكاليف اختبارات “التضخيم الدائري متساوي الحرارة” التي قد “تُرمى الآن في سلال المهملات”، إذا لم يكُن بيعها في الخارج ممكناً.
ويُتوقع أيضاً أن تعلن الحكومة البريطانية الأسبوع المقبل عن وقف العمل باختبارات “التدفق الجانبي” المجانية والـ”بي سي آر”، كجزء من خطة “التعايش مع كوفيد”. ويمكن استخدام اختبارات “تفاعل البوليميراز المتسلسل” للكشف عن المتحوّرات الجديدة، لكن اختبارات “التدفق الجانبي” لا تستطيع ذلك.
وفي وقت سابق، بعثت “وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة” رسالة في 2 فبراير (شباط) الحالي إلى جميع مستشفيات “خدمات الصحة الوطنية” ومختبراتها، تمكّنت “اندبندنت” من الاطلاع عليها، تؤكد فيها أنه يجب وقف العمل بمخطط اختبارات “التضخيم الدائري المتساوي الحرارة” بحلول 30 يونيو المقبل. ويتعيّن على مرافق “الخدمات الصحية” الراغبة بمواصلة العمل بالبرنامج أن تدفع تكاليفه بنفسها.
يُشار إلى أن اختبارات “التضخيم الدائري المتساوي الحرارة” يمكن أن تُجرى أيضاً مباشرة على اللعاب، ما يعني عدم الحاجة لأخذ مسحات (من الأنف أو الحنجرة)، على عكس اختبارات الـ”بي سي آر”، ويُعتقد أن نتائجها أكثر دقة من اختبارات “التدفق الجانبي”.
وبدلاً من ذلك، من المتوقع أن يستخدم العاملون في مرافق “خدمات الصحة الوطنية” اختبارات “التدفق الجانبي” وحدها، على الرغم من تخلص المستشفيات في جميع أنحاء البلاد من مخزونها المركزي العام الماضي، بحسب ما كشفت عنه “اندبندنت” في ديسمبر (كانون الأول) 2021.
في مسار متصل، تخوّف مصدر يعمل على المستوى الوطني من أن يؤدي “قرار ’وكالة الأمن الصحي في المملكة المتّحدة‘ إنهاء العمل باختبارات ’التضخيم الدائري متساوي الحرارة‘، إلى انعكاسات سلبية غير متناسبة على الشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة والإعاقات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المجتمعات والموظفين الذين لا يمكنهم تحمّل الإزعاج الذي يسببه أخذ المسحات”.
وأشار المصدر إلى أنه لم يُعطَ أي تفسير عن سبب “وقف العمل” بهذا النوع من الاختبارات “العالية الدقة”. ووفق كلماته، “ما يزيد في غرابة الأمر، هو عدم الترويج لتلك الاختبارات على نطاق واسع، بحسب ما حصل مع أجهزة اختبارات ’التدفق الجانبي‘”.
وعلمت “اندبندنت” أيضاً أن “خدمات الصحة الوطنية” تمتلك الآن فائضاً من إمدادات اختبارات “التضخيم الدائري متساوي الحرارة”، فيما يعمل مسؤولو “وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة” ومستشارون خاصون الآن على تعويض بعض التكاليف المرتفعة التي أُنفقت على تلك الاختبارات.
وإضافةً إلى السعي لبيع أجهزة الاختبار لمستشفيات خاصة، يبحث المسؤولون أيضاً في بيع الإمدادات الإضافية في الخارج. وتحدث أحد المستشارين الطبيين العاملين مع “وكالة الأمن الصحي في المملكة المتّحدة”، بلسان الوكالة وأوضح أنها “اشترت جميع تلك الاختبارات، لكنها لم تعُد تشكل أولوية لأحد”.
وأضاف، “عملت الحكومة على توسيع استثمارها، لكن لم تكُن لديها قاعدة عملاء تبيعها لهم. ومن المحتمل أن الاختبارات ستُرمى. وإذا لم يجرِ بيع بعض اختبارات التضخيم الدائري متساوي الحرارة الآن، فسيُلقى بها في القمامة”.
وفي حديث إلى “اندبندنت”، أشار الأستاذ المشارك في علم الأحياء الدقيقة الخلوية في “جامعة ريدينغ” الدكتور سايمون كلارك، إلى أن “اختبارات ’التدفق الجانبي‘ ليست قادرة على استشعار المتغيرات. تلك هي المسألة، فالأمر كله يتعلق بعدم التعرف إلى المتحوّرات الجديدة. لا يوجد سبب يفسر لماذا لا يمكننا التعرف إلى المتحوّرات الجديدة قبل وصولها، ولا يوجد سبب يبرر الاعتقاد بعدم ظهور متحوّرة أخرى في المملكة المتحدة، على غرار تلك التي ظهرت في مقاطعة كنت.
وأضاف البروفيسور كلارك، “لن يكون في مقدورنا معرفة أعداد العدوى التي سنواجهها في المستقبل، أو مكان وقوعها. ولن نعرف بها إلى أن يبدأ أصحابها بالظهور في أقسام ’الحوادث والطوارىء‘. ولن تكون لدينا بالتالي أي فكرة عما إذا كان هناك أي خطر يتهددنا أو لا”.
ووصف قرار إنهاء العمل بالاختبارات على نطاق أوسع بأنه “قصير النظر بالكامل”، متخوّفاً من إمكان أن يتسبب في تأخير الاستجابات المستقبلية لموجات الفيروس أو المتحوّرات الجديدة في البلاد.
ورأى الأستاذ في “جامعة ريدينغ” أن التوقف عن تزويد الأفراد باختبارات “كوفيد” المجانية، سيفاقم “على نحو مطلق” التفاوتات الصحية في البلاد، لأن الأشخاص غير الميسورين مادياً لن يكون لديهم دخل كافٍ أو فائض لشرائها.
وكذلك تحدث إلى “اندبندنت” طبيب صحة عامة هو الدكتور بيتر إنغليش، فأوضح أنه “إذا لم نجرِ اختبارات من شأنها أن تتعرف بسرعة إلى المتحوّرات وتحددها، فمن الواضح أننا سنكون أكثر عرضة لمتحوّرة جديدة للفيروس، من دون أن ندرك ذلك، في وقت يمكن أن نكون قادرين على فعل شيء ما إذا عرفنا مسبقاً بوجوده”.
في سياق متصل، نبّه مدير الحملات في “رابطة هوارد للإصلاح الجنائي” [مؤسسة خيرية تعمل على خفض نسبة الجرائم في المجتمعات وعدد الأفراد الذين يدخلون إلى السجون] أندرو نيلسون إلى أن “السجون على وجه التحديد ما زالت معرّضة لتفشي وباء كورونا”. وأشار إلى أن “السجون ليست بيئة مثالية لانتشار الفيروس فحسب، بل إن السجناء هم أكثر عرضة من غيرهم من الناس للمضاعفات التي تسببها عدوى كورونا”.
وأضاف، “من المثير للقلق أن تتطلع الحكومة إلى وقف العمل باختبارات ’التضخيم الدائري متساوي الحرارة‘، نظراً إلى الفوائد الخاصة التي تقدمها تلك الاختبارات للجهات التي تتولى التعامل مع تفشي عدوى كورونا خلف القضبان. إنه أمر محيّر فعلاً، يحدث في وقت شهدت تحديداً السجون في مختلف أنحاء إنجلترا وويلز، تسجيل نحو 6900 حالة إصابة مؤكدة جديدة بالفيروس في يناير (كانون الثاني)، وهو عدد يفوق ما سُجّل في أي شهر منذ بداية الوباء”.
في حديث إلى “اندبندنت”، أكد الرئيس التنفيذي لـ”أن إتش أس بروفايدرز” NHS Providers الهيئة التي تمثّل جميع مؤسسات الاستشفاء والإسعاف التابعة لـ”خدمات الصحة الوطنية” كريس هوبسون، أن “قادة المرافق الصحية يشعرون بقلق من الأخبار التي تفيد بأنه لتوفير المال وتأكيداً للسردية السياسية القائلة إننا تغلّبنا على فيروس كورونا، فإن الحكومة تتّجه نحو إجراء تخفيض واسع لاختبارات كورونا والبنية التحتية لمراقبة المرض، التي عملنا بشقّ الأنفس على إنشائها”.
وأضاف هوبسون، “في الوقت الذي يحذر عدد من العلماء من عدم وجود ضمانات بأن المتحوّرة التالية للفيروس سيكون تأثيرها أقل حدّة من ’أوميكرون‘، يتعيّن علينا الإبقاء على الاحتياطات المعقولة الراهنة مستمرة”.
واعتبر هوبسون أنه “لا يمكن لـ’استراتيجية التعايش مع كوفيد‘ أن تكون مجرد احتفال بإزالة القيود، إذ يتعيّن أن تحدد أيضاً مكامن الخطر وما هو مطلوب لحماية بلادنا مما يمكن أن يكون فيروساً يفتك بالأرواح”.
في سياق متصل، أشار متحدث باسم “وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة”، إلى إن “الغالبية العظمى من الاختبارات للأفراد المصابين الذين لا تظهر عليهم أعراض العدوى، إنما تُجرى باستخدام أجهزة ’التدفق الجانبي‘ التي خضعت لتحقّق صارم من نجاعتها، وأثبتت أنها فاعلة للغاية في اكتشاف فيروس كورونا لدى الأشخاص المصابين بالعدوى، ولا يحتاجون إلى تدقيق مختبري”.
ووفق كلماته الختامية، “اعتباراً من أبريل (نيسان) 2022، سنعمل على أن تجري جميع الاختبارات لحالات الإصابة الخالية من الأعراض التي تدعمها ’وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة‘، من خلال استخدام اختبارات ’التدفق الجانبي‘ بشكل دقيق”.