ملخص:
تستمر السينما الغربية بشكل عام، وهوليوود بشكل خاص، في تقديم صورة العربي بشكل غير مقبول؛ فهو إما إرهابي، أو قاتل، أو شرير، وغيرها من الجوانب المسيئة، وبشكل ممنهج ومستمر منذ بداية ظهور صناعة السينما لقرابة قرن كامل.
وفي الوقت الذي يُنتظر فيه من السينما العربية مواجهة ذلك، وتصحيح الصورة، تقوم منصات وقنوات عربية بعرض تلك الأفلام المشوهة! كما أن السينما العربية بشكل عام يبدو أنها تواجه معضلات واختلافًا في وجهات النظر وتقدير الأولويات ما بين المسؤولية في وجوب التصدي، والتركيز على تحقيق أرباح وسط منافسة شرسة مع منصات التلفزيون والترفيه المدفوع.
محمد عطيف – الرياض: قبل أيام انتقد الممثل البريطاني الباكستاني ريز أحمد منظومة هوليوود بسبب طريقة عرضها صورة المجتمع الإسلامي، أو حتى صورة المسلم في أعمالها وأفلامها. وقال “ريز” مخاطبًا هوليوود: “أفلامكم عنصرية ضد المسلمين. لديكم مشكلة في سوء تمثيل المسلمين، ولا يمكن تجاهلها بعد الآن”.
و”ريز” الذي دشن مؤخرًا مبادرة تهدف إلى زيادة تمثيل المسلمين في السينما ليس الوحيد طبعًا الذي انتقد ذلك؛ فما تقوم به هوليوود واضح وممنهج، وليس بمحض المصادفة بطبيعة الحال، وله أهداف مختلفة ومتباينة بين شركة إنتاج وأخرى.
و”هوليوود” هي عاصمة السينما في العالم، وهي منطقة في مقاطعة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعد المركز التاريخي للسينما الأمريكية. وتستخدم كلمة (هوليوود) غالبًا كناية للسينما في أمريكا.
إرهابي وقاتل ومتخلف!
وربما ليس أكثر دلالة وأولوية للاستشهاد به حول ما تقوم به من إساءة لصورة المسلم والعرب من تلك الأرقام الكبيرة التي أوردتها دراسة للبروفيسور جاك شاهين عن «التصور النمطي الشائع للمسلمين في الثقافة الأمريكية»، التي نُشرت عام 1997م، واستخدم خلالها المنهج التحليلي لمضمون 900 فيلم سينمائي. وذكرت: هوليود عرضت ما يتراوح بين 15ـ20 فيلمًا أسبوعيًّا في الفترة من 1986م ـ 1995م تسخر من المسلمين والعرب، وقدمت صورة سلبية لهم في أكثر من 150 فيلمًا، لم يكن موضوعها عنهم أو عن الشرق الأوسط.
الأفلام السينمائية في العشرينات قدمت صورة العربي المسلم على أنه تاجر عبيد ومتوحش. وفي السبعينيات والثمانينيات قدمت صورة العرب والمسلمين على أنهم مُلاك البترول الجشعون. ومنذ التسعينيات إلى الآن أصبحت الصورة المقدمة عن العربي المسلم أنه (إرهابي، أصولي، متعصب، يصلي قبل أن يقتل الأبرياء). وقدمت العرب والمسلمين اليوم في الإعلام والسينما الأمريكية على أنهم يتميزون بالوقاحة، وغير متحضرين، ويدمرون اقتصاد العالم، ويخططون لخطف النساء الغربيات، ويسعون إلى تدمير أمريكا وإسرائيل. وهدفت من خلال ذلك لتشويه صورة العرب من وجهة النظر الأمريكية حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من صورة العربي في وجدان الشعب الأمريكي بصفة خاصة، والشعوب الغربية بصفة عامة.
خط ممنهج
إن هذه الإساءات لصورة العربي بشكل عام تمتد لتاريخ يقارب المئة عام، ويكاد يتزامن مع بدايات ظهور صناعة السينما. وعلى سبيل المثال من فيلم “العرب” الذي أُنتج عام 1915، وفيلم “الشيخ” الذي أُنتج عام 1921م إلى يومنا هذا، ما زالت هوليوود تنتج أفلامًا تصف العربي بالإرهابي والمتخلف والأصولي القاتل، بل تصر على أن كل إرهابي يحمل اسمًا عربيًّا أصيلاً، وسمات الغدر والخيانة والشر.
وعلى مر عقود بقي ذلك منهجًا شبه ثابت في أغلب إنتاج هوليوود الذي يتصل بالعرب بشكل أو بآخر، فهو قاتل وإرهابي حتى لو كان فلسطينيًّا تم تشريده من أرضه واغتصابها، فهو هنا معتدٍ، والمعتدي هو الضحية. وهو خط يمكن استحضار أمثلة عديدة له مثل فيلم “أكاذيب حقيقية” عام 1994م، وفيلم “الحصار” عام 1998، فيلم “سيريانا”، وفيلم “ميونيخ” عام 2005م، وكلها تصور العرب والمسلمين أنهم إرهابيون وأشرار.
وحتى لا يُتَّهم هذا التقرير بالانحياز، فهناك أفلام وُصفت من قِبل عدد من النقاد بأنها حاولت إنصاف صورة المسلمين، منها على سبيل المثال، وإلى حد ما، فيلم “مملكة السماء” عام 2005م، وفيلم “مختبئ” عام 2005م، وفيلم “المحارب 13” عام 1999م.
أهداف موجهة
وفي مقال لها تقول الكاتبة المصرية منى يسري في تفسير لها حول ذلك إنه “بعد النجاح الذي ظنت هوليوود أنها حققته في محاربة عدوها الأول (الشيوعية)، خاصة خلال حقبة الحرب الباردة، كان عليها إيجاد عدو جديد، يتصدر شاشات العرض، ويصبح كبش الفداء الذي تناضل أمريكا لتخليص البشرية من شره، كان هذا العدو هو العرب، والعرب المسلمون بشكل خاص”.
وحول الخطورة الموجهة يقول الناقد السينمائي د. نادر الرفاعي في تعليق له: “من غير الصحيح أن نظن أن هناك فنًّا غير موجَّه؛ فالسياسة التي تحكم عالمنا لا تستثني الفن من سطوتها؛ فكل فيلم يقدَّم على الساحة العالمية، ويشتبك مع قضايا مهما بدت في بساطتها، يحمل مغزى سياسيًّا لتوجيه الرأي العام، وترويض الشعوب على ما يمارَس من قِبل أنظمتها تجاه قضايا معينة. فرغم الحروب التي تشعلها الولايات المتحدة تجاه العرب والمسلمين، تحاول تخدير شعوبها بتلك الأفلام، التي تقول لعقول الأمريكيين: هؤلاء يستحقون القتل!”.
شيطنة المسلمين والعرب
وفي دراسة لافتة، أعدها مرصد الإسلاموفوبيا التابع لدار الإفتاء المصرية، ونشرتها الزميلة “اليوم السابع”، أوضحت الدراسة أنه ينظر إلى المسلمين على أنهم “الآخرون”، غير المتوافقين مع المجتمعات الغربية، والوحشيون، والأشرار، والإرهابيون، وأنهم يمثلون تهديدًا للمجتمعات الغربية وقيمها من خلال نشر هذه “الصور النمطية”.
وأشارت الدارسة إلى أن هذا التشويه والتنميط إذا حدث لمجموعة دينية أو عرقية مختلفة، مثل اليهود أو الآريين، فسيتم إدانة ذلك التشويه على أوسع نطاق. فنتيجة عدم إدانة “شيطنة المسلمين والعرب” يتم نشر “الإسلاموفوبيا”، وترسيخها.
وأوصت الدراسة بضرورة توعية الناس بالصور النمطية التي تبثها السينما الأمريكية، والأضرار التي تقع على المجتمع الإسلامي نتيجة ذلك التشويه، والتأثير في صناعة السينما الأمريكية عن طريق الدخول في إنتاج مشترك لأفلام توضح الصورة الواقعية والمركَّبة للمجتمع الإسلامي، كونه مجتمعًا متعددًا، ولا يضره ولا يوصمه إذا خرج منه مجموعة تمارس “الإرهاب والكراهية” مثل أي مجتمع آخر. أنتِجوا أفلامكم بأنفسكم. وفيما يبدو مفارقة؛ كيف يقبل بعض الممثلين العرب بالمشاركة في أفلام هوليودية، تصف المسلمين والعرب بالإرهاب والوحشية!؟ فالبعض يرى أن ذلك يعود للإغراء المادي، وأيضًا شهرة هوليوود في حد ذاتها، بغض النظر عن مكامن الأدوار، وإن كانت مهمشة ومشوهة، وما تحمله من معانٍ، وما تخلفه من انعكاسات.
وعلى خط الانتقادات لما تقوم به هوليوود فمنذ سنوات وكثير من النقاد، وحتى بعض النجوم السينمائيين الغربيين، يرون أن ذلك واقع ملموس، وقد يجسد خطاب كراهية معينًا، أو جوانب موجهة سياسيًّا ومدفوعة الثمن. وعلى سبيل المثال: الدعوة التي وجهتها النجمة البريطانية. فقد تحدثت النجمة البريطانية جوليا أرموند، ودعت العرب إلى إنتاج أفلامهم عن المنطقة بأنفسهم، وليس بواسطة هوليوود “لأنهم الأقدر على إيضاح الصورة الحقيقية في مواجهة التشويه الذي تقوم به هوليوود”.
ومع التقدم التقني ووسائط الوصول للمشاهدين في أنحاء العالم كافة ساهمت شبكات الترفيه المدفوعة وغير المدفوعة في وصول ذلك التشويه بشكل أكبر، بل إن بعض قنوات الأفلام التي تتبع مستثمرين عربًا ومسلمين تبث تلك الأفلام، وتكرر بثها على ما فيها من تشويه واضح لصورة العربي والمسلم والعربي المسلم، بل طالت تلك السيناريوهات الموجَّهة والمضللة شخصيات إسلامية على مستويات مختلفة، مثل شخصية القائد الإسلامي الشهير صلاح الدين الأيوبي.
مَن يقف خلف التشويه؟
ويتفق الكثير من الباحثين والمختصين على سيطرة يهودية كاملة على صناعة السينما الأمريكية. ومن ذلك ما ذكره نيل جايلر في كتابه «إمبراطورية ملك لهم»، الذي صدر عام 1988م، من القصة الكاملة لكيف اخترع اليهود هوليوود، وتأسيس أكبر استديوهات هوليوود، منها «كولومبيا، متروجولدين ماير، وارنر برازرس، بارامونت يونيفرسال وفوكس للقرن العشرين»، كما حرصوا على استكشاف المواهب وتوظيف أقوى المحامين والمتخصصين في إدارة المعاملات القانونية لهذه الصناعة الضخمة.
وفي دراسة لها ذكرت «عصبة الدفاع المسيحية الأمريكية» حقائق مثيرة، تكشف كيف استولى اللوبي الصهيوني على ديزني، وكيف أحكمت السيطرة على الإعلام الأمريكي، وخصوصًا صناعة السينما في هوليوود، ومنها توسعوا في السيطرة على وسائل إعلام مختلفة. وربما أبعد من ذلك. يقول الكاتب شاكر نوري في تقرير لـ”البيان”: “ما يجري الآن في العديد من الصحف والمجلات الأوروبية والأمريكية، بل في وسائل الإعلام الغربية عامة، من محاولة لتشويه صورة العرب عند المواطن الأوروبي والأمريكي، إنما هو خطة قديمة ـ حديثة، يساهم فيها الكثيرون من رجال سياسة، ورجال فكر، وفلاسفة وعلماء ومستشرقون وسينمائيون وفنانون”.
ويضيف: “ومن خلال متابعتنا عددًا كبيرًا من الأفلام لا يسعنا إلا أن نقول إن الدعاية الصهيونية قد أحرزت نجاحًا كبيرًا في هذا المجال، وهو الأمر الذي يستدعي مواجهة جادة لها.
السينما العربية أين تقف؟
ويبقى السؤال الأهم: كيف يمكن للمسلمين والعرب، والمسلمين العرب، التصدي لتلك الحرب، سواء بالرد من خلال إنتاج بالقوة نفس، معاكس في الاتجاه، أو تصحيح للأخطاء التي يتم تمريرها؟
يؤكد تقرير لبوابة الأهرام أنه بمجرد الاطلاع على الفيلموغرافيا العربية، أو ما يصطلح عليه بـ”سينما الإرهاب”، يتبين أن الاختلافات التي تعرفها لا تعكس فقط تنوع الرؤى السينمائية للمبدعين العرب، بل تعكس تعدد الرهانات والخلفيات التي تحكمت في إنتاج هذه الأعمال الفنية، التي تقف وراءها شركات تخضع لسياسات معينة.
إن المطالبات المتزايدة للإعلام العربي، وخصوصًا السينمائي والتلفزيوني، تصبح أكثر ضرورة يومًا بعد يوم. ولكن العذر دائمًا هو الفارق الكبير بالنظر لما تمتلكه هوليوود. كما أن المنصات العربية التي قد تكون قادرة على الرد الذكي ليست موجودة بعد، ولا يوجد عمل حقيقي يمكن اعتباره نواة فعلية، في حين تقوم المنصات الحالية بحضور خجول، وتركز بالدرجة الأولى على تحقيق الأرباح وخوض المعركة الشرسة مع التلفزيون، والترفيه المدفوع الذي طغى بشكل كبير.