لطالما كانت الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (= “آتش أي في”) نذيراً بموت لا مفر منه، ولكن الحال تغيّر حاضراً بعد أن قطعنا أشواطًا طويلة في أبحاث طبية قلّلت من تأثير الفيروس على حياة الناس، وما زال أمامنا كثير من العمل في ذلك الصدد. وعلى الرغم من ذلك التقدّم الكبير، لا يزال فيروس “آتش أي في” يجد طريقه إلى 15 شخصًا في بلدنا يومياً كمعدل وسطي.
ولذا، نحن نعمل في لندن على جمع جميع الجهات الفاعلة في مجال مكافحة فيروس “آتش أي في” بهدف ضمان تقديم وسائل الوقاية والعلاج والدعم اللازمة إلى سكانها.
لقد تعهدت كعمدة لهذه المدينة على تحقيق الأهدف المتضمنة في ثلاثية التسعينات التي جمعتها الأمم المتحدة في شعار: معرفة 90% من المصابين بفيروس “آتش أي في”، وإيصال العلاج إلى 90% ممن شُخّص الفيروس لديهم، والوصول بـ90% ممن يتلقون العلاج إلى مستوى من التعافي يصبح معه الفيروس غير قابل للكشف لديهم ما يعني أنهم لم يعودوا مُعدين بالنسبة للآخرين. ومن دواعي الفخر أن تنجح لندن عام 2017 في أن تكون ثالث المدن التي تحقق تلك الأهداف بعد آمستردام (هولندا) وملبورن (أستراليا).
ولكن علينا أن نذهب إلى أبعد من ذلك. لنتذكر أن الحدّ من الإصابات الجديدة مسألة معقدة تتطلب توفر العلاج الوقائي من الفيروس، ما يدفعني دومًا إلى مواصلة دعوة الحكومة لتوفير الأدوية اللازمة للعلاج الوقائي (= يُعطى في مرحلة ما قبل التعرض للفيروس) عن طريق “هيئة الخدمات الصحية الوطنية”، الأمر الذي يمكن من تحقيق نقلة نوعية في الوقاية وخفض عدد الإصابات الجديدة.
واستطراداً، نحن بأمس الحاجة إلى تلك الخطوات الجريئة ما دفعني إلى وضع هدف طموح يتمثّل في تخفيض عدد الإصابات الجديدة والوفيات القابلة للتجنّب، وحالات الوصمة والتمييز المتعلقة بالفيروس، إلى الصفر، ساعيًا بكل أمل إلى القضاء على الإيدز في أرجاء مدينتنا بحلول 2030.
سنتمكن عبر العمل مع مدن اخرى، من تشارُك خبرات لا تقدر بثمن، وبذل مزيد من الجهود الكفيلة بالحدّ من الإصابات الجديدة عالميّاً، وضمان حصول الناس على العلاج الذي يحتاجون إليه، مع الحرص في الوقت نفسه على إنهاء التمييز وكسر وصمة العار المرتبطة بذلك المرض. تقوم حملة “إيدز فري” الرائعة التي أطلقتها جريدة “ذي اندبندنت” و”مؤسّسة إلتون جون للإيدز” بعمل جوهري في ذلك المجال، من خلال حشد الدعم والتوعية عالميّاً بالخطوات التي يمكن إنجازها للحدّ من الإصابات الجديدة.
وفي ذلك الصدد، جمع منتدى “إيدز فري” العالمي للمدن الذي انعقد في لندن أخيراً، الخبراء الطبيين والوزراء الحكوميين ورؤساء البلديات من خمس مدن أخرى تحت سقف واحد، بهدف تطوير خطط ترمي للوصول إلى مستقبل خالٍ من الإيدز. ومن دواعي سرورنا أن نتمكن من مشاركة معارفنا وخبراتنا في لندن مع مدن بأمس الحاجة لها، وأن نعمل مع دلهي ونيروبي ومابوتو وكييف وآتلانتا على إعداد خطة عمل من شأنها أن تُحدِث نقلة نوعيّة في ذلك المجال.
كذلك سنستعيد زمام المبادرة مجددًا في شهر سبتمبر (أيلول) 2019، عبر استضافة أول تجمّع لـ”مُدُن المسار السريع” في مؤتمر سيجمع قادة ما يزيد على 250 مدينة، وسيتحدون سويًا سعيًا إلى القضاء على فيروس”آتش أي في” مع حلول 2030.
لا بد لنا مواصلة التعامل مع وصمة العار التي لا تزال (بكل أسف) مرتبطة بفيروس “آتش أي في”، إذا أردنا إنهاء انتشار المرض في مدينتنا. وكلي ثقة في أن انفتاحنا على المصابين بذلك االفيروس وحبنا لهم وتعاطفنا معهم قد ساعد بالفعل في كسر تلك الوصمة كما ساهم في خفض معدلات الإصابة بفيروس “آتش أي في” إلى حدّ كبير. في المقابل، يتوجب مواصلة استئصال تلك الوصمة وكسر الحواجز المتبقية أمام التشخيص والعلاج المُبَكّرين لذلك المرض، وتلك الأمور تبقى مسؤوليتنا جميعًا.
وفي الختام، كلي إيمان بضرورة أن تلعب مدينتنا دورها في بذلك كل جهد تستطيعه بهدف إنهاء ذلك المرض إلى غير رجعة، ما يعني أن وقف انتشار الإيدز أمر مستطاع وواجب.