تزايدت أعداد الولادات القيصرية في الجزائر لتصل إلى نصف مليون عملية سنوياً، وفق إحصائية حكومية. وهو رقم يراه بعض المختصين مقلقاً خصوصاً إذا ما اقترن بدواعٍ تجارية، في حين يذهب آخرون إلى أنّه حل لكثير من التعقيدات وبات مطلباً لكثير من النساء تجنباً للألم.
تجربة إيجابية
وتقول السيدة فاطمة (33 سنة)، إنّها عايشت تجربتين في ولادة واحدة، إذ كان من المفروض أن تلد ولادة طبيعية واختبرت آلام المخاض لمدة 10 ساعات، لكنها استسلمت في النهاية وطلبت من الفريق الطبي على مستوى العيادة الخاصة، بإجراء عملية قيصرية لها بعد أن تبين وجود ضيق في الحوض، لتستطرد “الآلام التي شعرت بها رهيبة، والولادة القيصرية أنقذتني لأنني لم أكن قادرة على التحمل أكثر”.
وبينما تصف السيدة فاطمة تجربتها بالإيجابية جداً مقارنة بوضعها الذي واجهته، تقول منيرة (32 سنة)، إنّ الصدمة النفسية التي خلفتها ولادتها القيصرية قد تتطلب وقتاً طويلاً لنسيانها، لأنّها برمجت نفسها على إنجاب طبيعي، تهيأت له من خلال أخذ دروس عند أخصائيين في التوليد، أخبروها أن ولادتها “ستكون طبيعية بناءً على التحاليل ونتائج الأشعة التي أجرتها طوال تسعة أشهر”.
تجربة منيرة “كانت مريرة” كما تصفها، إذ شعرت بآلام شق البطن أثناء عملية التوليد في إحدى المستشفيات الحكومية، وتم إخبارها بأن وضعية الطفل لا تسمح بولادة طبيعية بخلاف ما أخبرتها به طبيبتها التي أشرفت على متابعتها، وتقول “سمعت وأنا على طاولة الولادة الأطباء يتحدثون عن عملية قيصرية لإنقاذ حياتي والطفل، لم أتقبل صراحة الفكرة وبدأت بالصراخ، لكن لم يكن هناك حل آخر في تلك اللحظة”.
وتضيف “عشت الجحيم بعدها ودخلت في حالة كآبة حادة استمرت لأيام، إذ واجهت صعوبة في النهوض والتحرك وحمل ابنتي بشكل عادي، وما صعب من المهمة أنّ ولادتي القيصرية كانت الحالة الأولى في عائلتي، لأنّ كل النساء اللواتي أنجبن كانت ولادتهن عادية، بالتالي كان فهم حالتي يحتاج إلى الكثير من الشرح”.
وغالباً ما تستنفد المستشفيات الحكومية كل الطرق من أجل الولادة العادية، لكن هناك مراحل كثيرة يتوجب المرور عليها من أجل اللجوء إلى الجراحة القيصرية.
السلطات الصحية تُحقق
قبل أيام، قالت جريدة “المساء” الحكومية إنّ وزارة الصحة قرّرت التحقيق في “ظاهرة القيصريات التي تحوّلت من نشاط طبي إلى نشاط تجاري يحقق مداخيل هامة في القطاع الخاص”، إذ تجاوزت النسبة المسجلة في الجزائر المعدلات التي حددتها منظمة الصحة العالمية، في ما يخص الولادة عن طريق القيصرية والتي تقدر بـ 15 من المئة.
وبحسب إحصائيات وزارة الصحة، فإن عدد العمليات القيصرية التي تخضع لها الجزائريات بلغت أكثر من 490 ألف عملية من أصل مليون و200 ألف ولادة مسجلة سنوياً، بما يعادل نسبة 45 في المئة من مجمل عمليات الولادة، مشيرة إلى أن معظم تلك الجراحات تجري في القطاع الخاص، وفق المصدر نفسه.
وقررت وزارة الصحة التحقيق في عمليات الولادة في ظل تردد شكاوى من مصالح التوليد، تتضمن تعرض المقبلات على الولادة إلى سوء المعاملة أثناء عملية الولادة، تشمل الإيذاء الجسدي أو اللفظي أو التمييز أثناء الولادة، مع تعرض بعض النساء للصفع والصراخ في وجوههن، أو الضغط عليهن بالقوة، وتسجيل شجارات كثيرة مع عائلات الحوامل، وفق الجريدة.
وفي الجهة المقابلة، تقول القابلات (اللواتي يشرفن على الولادة)، إنّهن يجبرن أحياناً على الصراخ على الحوامل لأنهن يشوشن عليهن، بالتالي لا يتمكن من القيام بالعملية بشكل عادي. وفي كثير من الأحيان يتوترن خلال ولادة تترنح بين الحياة والموت، الأمر الذي يتطلب درجة عالية من التركيز، وأن الحديث عن التعدي بالضرب على المقبلات على الولادة أو حتى شتمهن كما يتم الترويج له، إشاعات لا أساس لها من الصحة.
وفي تصريحات إعلامية سابقة، قالت عقيلة قروش، رئيسة النقابة المستقلة للقابلات، إن الارتفاع المخيف في الولادات القيصرية راجع بالدرجة الأولى إلى التكفل السيء بالحوامل والمتابعة خلال فترة الحمل، وأن تعامل الأطباء مع الحوامل أصبح على أساس أنه عمل روتيني وليس حالة تجديد النسل.
حل لا بد منه
ويقول الطبيب الأخصائي في توليد النساء إسماعيل في إنّ العمليات القيصرية قد تكون حلاً في حالات كثيرة وليست مشكلة، لا سيما بالنسبة للنساء اللواتي يعانين من بعض الأمراض، كما أنّها قد تحمي المولود من الاختناق، أو مضاعفات قد تؤدي إلى وفاته في بطن أمه، إذ يصادف الأطباء حالات مشابهة في مراكز التوليد.
ويردف “لا يمكن إنكار أنّ بعض الحوامل هنّ من يطلبن هذه العمليات عند ولادتهن هروباً من آلام المخاض وأوجاع الولادة، أو من أجل ضمان بقاء الرحم في حالته الطبيعية”.
وعادة ما يتهم الأطباء في المستشفيات الحكومية، أصحاب عيادات التوليد الخاصة باللجوء المفرط والعشوائي للعمليات القيصرية كسباً للأموال، حيث تقدر قيمتها في الحالات الطبيعة حوالى 600 دولار وعند الولادة القيصرية 1300 دولار، من دون تناسي المضاعفات المحتملة للولادات القيصرية، المتمثلة في النزيف الحاد والتهاب بطانة الرحم والمشيمة الملتصقة.
وأفادت دراسة سويدية حديثة بأنّ الولادات القيصرية ارتفعت في السنوات الأخيرة من 6.7 في المئة على مستوى العالم عام 1990 إلى حوالى 19.1 في المئة عام 2014.
وأضافوا أن هذه القفزة أثارت اهتمام العلماء لإجراء بحوث لكشف التأثيرات طويلة الأمد للولادة القيصرية على صحة النسل، وقد ربطت العديد من الدراسات بين الولادات القيصرية وزيادة مخاطر الإصابة بالربو والحساسية المختلفة.