علمت “اندبندنت” أن مرافق “خدمات الصحة الوطنية” (أن إتش أس) NHS في بريطانيا، تواجه مصاعب في تحديد الموظفين الذين لم يتلقّوا بعد جرعة من اللقاح المضاد لعدوى “كوفيد”، نتيجة “فجوات” في سجلات المستشفيات، وذلك قبل أقل من أسبوع على حلول الموعد النهائي لإلزامية التطعيم.
ويتعيّن على كل عامل في مرفق لخدمات الصحة أن يكون قد حصل على الجرعة الأولى من اللقاح بحلول الثالث من فبراير (شباط)، كي يتسنّى له تلقّي الجرعة الثانية بحلول الموعد النهائي في مطلع أبريل (نيسان) المقبل.
وفي وقت لمّحت الحكومة إلى إمكان حصول تأخير، فإنها لم تعلن بعد تمديد الموعد النهائي الذي يلوح في الأفق، على الرغم من إعلان أن الحكومة ستعقد اجتماعاً يوم الاثنين لاتخاذ قرار في شأن ما إذا كان ينبغي إلغاء التطعيم الإلزامي لموظفي “خدمات الصحة الوطنية” في إنجلترا.
وبحسب ما ذكرت صحيفة “تليغراف”، تعتقد الحكومة أن هذه الخطوة قد يكون لها ما يبرّرها لأن متحوّرة “أوميكرون” لفيروس “كوفيد – 19” تبدو أعراضها أقل حدّة من المتحوّرات التي سبقتها.
وإلى أن تصدر الحكومة توجيهات أكثر وضوحاً، يُضطر مديرو المستشفيات إلى تحديد الموظفين الذين لم يتلقّوا اللقاح، من خلال استخدام أرقام “أن إتش أس” العائدة إليهم – وهو إجراء انتقده خبراء، باعتبار أنه يشكّل إساءة استخدام “بشعة” و”جسيمة” للمعلومات الشخصية.
في رسالة بريد إلكتروني مؤرخة بتاريخ 21 يناير (كانون الثاني) سُربت إلى “اندبندنت”، تبلّغ القيّمون على مؤسسات الصحة من جانب “أن إتش أس ديجيتال” NHS Digital (المزود الوطني للمعلومات والبيانات وأنظمة تكنولوجيا المعلومات للمفوضين والمحللين والأطباء في الرعاية الصحية والاجتماعية في إنجلترا) أنه سيتم التخلي عن الأساليب السابقة لتحديد الموظفين غير المحصنين ضد الفيروس من خلال الهيئات الوطنية.
وأشار قادة هيئة “خدمات الصحة الوطنية” إلى وجود “ثغرات كبيرة” في جمع البيانات الوطنية، ما يعني أن المستشفيات ما زالت لا تعرف بعد بالضبط عدد الموظفين الذين لم يتلقوا التطعيم.
وطُلب الآن من المسؤولين عن المستشفيات، “تتبّع” الأرقام الشخصية للموظفين الصادرة عن هيئة “خدمات الصحة الوطنية”، من خلال قاعدة بيانات وطنية تُسمّى بـ”الخدمة الديموغرافية الشخصية” Personal Demographic Service، التي تحتفظ بجميع المعلومات عن المرضى في مختلف أنحاء البلاد.
وجاء في الرسالة الإلكترونية: “لم يعُد الحل المفضل لتحميل البيانات المجمعة على المستوى الوطني، الوسيلة الأسرع لتمكين المستشفيات من الوصول إلى بيانات العاملين”. وأشارت إلى أن الخيار المفضل في “سياق سريع التغيّر”، هو أن تقوم المستشفيات بتتبّع أرقام “أن إتش أس” للعاملين لديها، لكنها استدركت: “إننا نعمل جاهدين على إيجاد حل شامل طويل الأجل، من شأنه تجنّب التحميل اليدوي للبيانات”.
وفي إطار التوجيهات التي جرى تبادلها عبر البريد الإلكتروني في شأن البيانات التي يتعيّن تضمينها، تم إيراد خيارات للمستشفيات بتحميل البريد الإلكتروني للأفراد وأرقام هواتفهم النقّالة. وعلى الرغم من أن الوثيقة ذكرت أنه يتعيّن عدم تقديم رسائل البريد الإلكتروني وأرقام الهواتف المحمولة، وأنه لن يتم استخدامها لتقرير التطعيم، إلا أنها أضافت: “قد نتطلّع إلى إدراج ذلك في المستقبل”.
أحد قادة الهيئة وصف الطلب الجديد بأنه “الأكثر مراوغة الذي رأيته في ما يتعلق بمعالجة البيانات… فالموظفون ليسوا مرضى لدينا كي نحدد أرقام “خدمات الصحة الوطنية” الخاصة بهم”. وتساءل عن السبب في حاجة قاعدة البيانات الوطنية لأرقام الهواتف الجوالة للموظفين وعناوين بريدهم الإلكتروني.
الدكتور نيل باتيا وهو أحد الأوصياء على مبادىء “كالديكوت” Caldicott (يتولّى المسؤولية عن ضمان اتباع بروتوكول حماية البيانات في مرافق “خدمات الصحة الوطنية” أو أي مؤسسات أخرى) والخبير في شؤون حماية البيانات، قال لـ”اندبندنت” إن “رقم “أن إتش أس” ينطوي على معلومات خاصة وسرية، من هنا فإن دخول أرباب العمل إلى (مجموعة البيانات الوطنية) لمجرّد معرفة رقم “خدمات الصحة الوطنية” العائد للعاملين، هو أمر خاطئ للغاية. إن المسألة برمّتها تسبب القلق بالنسبة إلينا كأوصياء على “كالديكوت”. من المؤكد أنه ينبغي على رب العمل لديك ألا يكون لديه حق في الوصول إلى رقم “أن إتش أس” الخاص بك، لكن بالطبع هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها مطابقة هذه المعلومات بشكل أكيد”.
الدكتور باتيا رأى أن الوصول إلى “الخدمة الديموغرافية الشخصية” لأسباب أخرى غير الحاجة السريرية قد يكون “غير لائق”، معتبراً أنه يتوجب تقديم تسويغ قانوني لأي وضع آخر. وقال إن “الشروع في بحث عن أشخاص من خلال دليل الهاتف لمجرّد معرفة رقم “خدمات الصحة الوطنية” العائد إليهم، يبدو لي تصرفاً غير متناسب على نحو كبير”.
وكانت “هيئة خدمات الصحة الوطنية في إنجلترا” NHS England ذكرت في وقت سابق أن وضع التطعيم ضد “كوفيد – 19” فقط، سيكون متاحاً لأرباب العمل. لكن مع ذلك، جاء في الوثيقة أن مركز معلومات الصحة “أن إتش أس ديجيتال” قال إن المستشفيات “يمكنها استخراج تقارير “كوفيد” و(الإنفلونزا)”، وأنه “يمكن الحصول عليها من قاعدة البيانات المحفوظة لاستخدامها من جانب مزوّدي الخدمات ذات الصلة”.
فيل بوث، الرئيس التنفيذي لمجموعة “ميد كونفيدانشل” MedConfidential، وهي مجموعة حملات تركّز على حماية البيانات، نبّه إلى أنه “في معزل عن كون المسألة مجرّد تحقق من سجلات الموظفين، فمن الواضح أن الأمر قد انحرف نحو عملية مراقبة واسعة النطاق. وفيما كان واضحاً كلام “هيئة خدمات الصحة الوطنية في إنجلترا” على أن الموضوع يتعلّق بـ “كوفيد”، إلا أنه يبدو الآن أن الأمر ذاته ينطبق على الإنفلونزا أيضاً”.
وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية كانت أصدرت العام الماضي قوانين جديدة تسمح لـ”هيئة خدمات الصحة الوطنية في إنجلترا” بالكشف عن بيانات مرضى يُفترض أن تكون سرّية، لمؤسسات الرعاية الصحية. ويسمح الإشعار الذي أصدره وزير الصحة بموجب قانون “إدارة البيانات الخاصة بالمرضى” Control of Patient Information (COPI) لـ “أن إتش أس ديجيتال”، بمشاركة معلومات سرية عن المرضى مع منظمات، لأغراض تتعلق بمرض “كوفيد – 19”.
ويقول بوث إن “استخدام قانون “إدارة البيانات الخاصة بالمرضى” للقيام بهذه المراقبة هو أمر سيّء بما فيه الكفاية. أما محاولة جعلها دائمة لجهة التعامل مع مسائل مثل الإنفلونزا، فتُعدّ إساءة استخدام بشعة للسلطة”. وأضاف: “عندما يتم إرساء سابقة كهذه، يصبح من الصعب للغاية التخلص منها”.
قادة “خدمات الصحة الوطنية” أثاروا مخاوف من أن الإصرار على أن يكون الموعد النهائي في الأسبوع المقبل، سيؤدّي إلى فقدانهم “بشكل ساحق” موظفين سوداً ومن أقلّيات عرقية، مع احتمال تضرر مستشفيات في لندن وويست ميدلاندز بشدة.
وعلمت “اندبندنت” أن نحو 84 ألفاً أو 5 في المئة من العاملين على الخطوط الأمامية في مواجهة الوباء هم غير محصنين. وأوضح مصدر رفيع المستوى في هيئة “خدمات الصحة الوطنية” أن نحو 40 في المئة من الموظفين غير المطعمين هم من السود والأقلّيات العرقية.
مدير أحد المستشفيات في ويست ميدلاندز قال إن “أحداً لم يطلب تقييماً لمسألة المساواة. إن ما نحن في صدد القيام به إنما يكمن في طرد “ساحق” لزملاء من السود وأقلّيات عرقية، مقارنةً بالبريطانيين البيض، نتيجة لتلك الخطوة. فهل هذا ما نريده حقّاً؟”
وأضاف: “لم يُجرَ وضع أي استثناء ولم يتم السعي إلى فهم تفصيلي للمستشفيات التي لديها خدمات في مناطق المدن مع مجموعة كبيرة من الموظفين (من السود وأقلّيات عرقية)، وأعتقد أننا سنواجه مشكلات، وسيتم تعميق التفاوتات”.
متحدث باسم هيئة “خدمات الصحة الوطنية” أوضح أن المسار الذي تم وضعه، استهدف تمكين مستشفيات الهيئة من جمع بيانات عن وضع تطعيم الموظفين، قبل دخول التشريع الحكومي الجديد حيّز التنفيذ في مطلع شهر أبريل، يتعلق ببيانات التحصين ضدّ “كوفيد” فقط، وسيتم التقيّد بجميع إجراءات بروتوكول البيانات واتباع تدابير الحماية المناسبة”.